للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ مَا حَرُمَ مِنْ الْجَامِدَاتِ فَلَا حَدَّ فِيهَا وَإِنْ حَرُمَتْ وَأَسْكَرَتْ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ النَّجَاسَةِ بَلْ التَّعْزِيرُ لِانْتِفَاءِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ عَنْهَا كَكَثِيرِ البتح وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْجَوْزَةِ وَالْحَشِيشَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَحُدُوثُهَا كَانَ أَوَائِلَ الْمِائَةِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي الْعَالَمِ فِتْنَةٌ أَفْظَعُ وَلَا أَذْهَبُ لِلنُّفُوسِ مِنْهَا، وَلَا حَدَّ بِمُذَابِهَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ بِخِلَافِ جَامِدِ الْخَمْرِ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ لَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الدَّنِيئَةِ

وَمِمَّا يَتَأَكَّدُ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَإِذَاعَةِ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بَلْ مِنْ أَقْبَحِهَا مَا حَدَثَ الْآنَ مِنْ اسْتِعْمَالِ كَثِيرٍ مِنْ السُّفَهَاءِ لَهُ مِنْ نَبْتٍ يُسَمَّى الْقَبِيسِيِّ يُوجَدُ بِنَحْوِ جِبَالِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ أَسْوَأُ الْمُخَدِّرَاتِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ يُؤَدِّي إلَى مَسْخِ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ وَزَوَالِهِ عَنْ جَمِيعِ اعْتِدَالَاتِهِ وَكَثِيرَهُ قَاتِلٌ فَوْرًا فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْأَفْيُونِ فِي السُّمِّيِّةِ، وَقَبْلَ الْآنَ مِنْ مُرَكَّبٍ يُسَمَّى الْبُرْشِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ أَيْضًا مَاسِخٌ لِلْبَدَنِ وَالْعَقْلِ وَلَا حُجَّةَ لِمُسْتَعْمِلِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ تَرْكَنَا لَهُ يُؤَدِّي لِلْقَتْلِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّدَرُّجُ فِي تَنْقِيصِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُذْهِبٌ لِشَغَفِ الْكَبِدِ بِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ لَا يَضُرَّهُ فَقْدُهُ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مَنْ رَأَيْنَاهُمْ مِنْ أَفَاضِلِ الْأَطِبَّاءِ فَمَتَى لَمْ يَسْعَوْا فِي ذَلِكَ التَّدْرِيجِ فَهُمْ فَسَقَةٌ آثِمُونَ لَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدٍ فِي إطْعَامِهِمْ إلَّا قَدْرَ مَا يُحْيِي نُفُوسَهُمْ لَوْ فُرِضَ فَوْتُهَا بِفَقْدِهِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى فَاقِدَهُ وَخَشِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إطْعَامَهُ مَا يَحْيَا بِهِ لَا غَيْرُ كَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ الْآتِيَةِ وَيَحْرُمُ شُرْبُ مَا ذُكِرَ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ (إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا لَكِنْ يَنْبَغِي تَعْزِيرُ الْمُمَيِّزِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ (وَحَرْبِيًّا) أَوْ مُعَاهَدًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالذِّمَّةِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّينَ (وَمُوجَرًا) مُسْكِرًا مُقْهَرًا إذْ لَا صُنْعَ لَهُ (وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلٍ أَوْ شَارِبٍ حَرَامٍ تَقَيُّؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ اسْتَدَامَتْهُ فِي الْبَاطِنِ انْتِفَاعٌ بِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ وَلِزَوَالِ سَبَبِهِ فَانْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ الْأَذْرَعِيِّ لِذَلِكَ وَأَخْذُ غَيْرِهِ بِمُقْتَضَى اسْتِبْعَادِهِ، وَعَلَى نَحْوِ السَّكْرَانِ إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا حَدٌّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يُحَدَّ قَبْلَ شُرْبِهِ فَيُحَدُّ ثَانِيًا.

(وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا) فَشَرِبَهَا ظَانًّا

ــ

[حاشية الشرواني]

الزَّرْكَشِيُّ الْإِسْكَارُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ مُنْتَفٍ عَنْ هَذَا وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَظِنَّةِ مُلَاحَظَةُ جِنْسِ الشَّارِبِ أَوْ الْمَشْرُوبِ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَخَرَجَ) إلَى قَوْلِهِ وَمِمَّا تَتَأَكَّدُ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ مَا حَرُمَ إلَخْ) أَيْ: وَبِأَسْكَرَ غَيْرُ الْمُسْكِرِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنْتَصَفِ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ وَالْخَلِيطُ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا مُغْنِي وَأَسْنَى (قَوْلُهُ كَكَثِيرِ الْبَنْجِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مِنْهَا مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُتَنَاوِلِ لَهُ لِاعْتِيَادِ تَنَاوُلِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالْحَشِيشَةِ إلَخْ) وَلَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهَا الصَّلَاةُ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ أَوَائِلُ الْمِائَةِ السَّابِعَةِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إنَّ الْحَشِيشَةَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ آخِرَ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ بِمُذَابِهَا) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَشْتَدَّ بِحَيْثُ تَقْذِفُ بِالزَّبَدِ وَتُطْرِبُ وَإِلَّا صَارَتْ كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَالْحَدِّ كَالْخُبْزِ إذَا أُذِيبَ وَصَارَ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى أَيْ: الْخُبْزُ وِفَاقًا لِلطَّبَلَاوِيِّ وَلِلرَّمْلِيِّ ثَانِيًا سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ لِأَصْلِهِمَا) أَيْ: جَامِدِ الْخَمْرِ وَمُذَابِ الْمَذْكُورَاتِ.

(قَوْلُهُ بَلْ التَّعْزِيرُ) أَيْ: بَلْ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يَصِرْ إلَى حَالَةٍ تُلْجِئُهُ إلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ أَصَابَهُ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي إزَالَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ إمَّا بِاسْتِعْمَالِ ضِدِّهِ أَوْ تَقْلِيلِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَإِذَاعَةُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ الْآنَ) الْأَسْبَكُ ذِكْرُهُ قُبَيْلَ مِنْهُ نَبْتٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ مِنْ اسْتِعْمَالٍ إلَخْ مِنْ فِيهِ زَائِدَةٌ وَاسْتِعْمَالُ فَاعِلُ حَدَثَ (قَوْلُهُ وَزَوَالِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَسْخِ وَالضَّمِيرُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ (قَوْلُهُ وَكَثِيرُهُ قَاتِلٌ) عُطِفَ عَلَى اسْمِ إنَّ وَخَبَرِهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) عُطِفَ عَلَى مُرَكِّبٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْمُرَكَّبُ الْمُسَمَّى بِالْبُرْشِ (قَوْلُهُ لِمُسْتَعْمَلِي ذَلِكَ) رَاجِعٌ لِكَثِيرِ الْبَنْجِ وَالزَّعْفَرَانِ إلَخْ أَيْضًا (قَوْلُهُ تَرْكَنَا) اسْمُ إنَّ (قَوْلُهُ فَصَارَ) أَيْ: اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُذْهِبٌ إلَخْ) أَيْ: التَّدَرُّجُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ) أَيْ: إذْهَابُ التَّدَرُّجِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا لِأَحَدٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى لَهُمْ (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرُ مَا يُحْيِي إلَخْ) أَيْ: مِنْ الْمَحْذُورَاتِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ فَوْتَ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ إطْعَامُهُ) فَاعِلُ يَجِبُ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ غَصَّ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ لَكِنْ يَنْبَغِي إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ شُرْبُ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا صَبِيًّا إلَخْ مُسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا صَبِيًّا إلَخْ أَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَدِّ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ) أَيْ فِي السَّارِقِ (قَوْلُهُ أَوْ مُعَاهَدًا) أَيْ: أَوْ مُؤَمَّنًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمْ) إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ كَكُلِّ آكِلٍ أَوْ شَارِبٍ حَرَامٍ (قَوْلُهُ مُسْكِرًا قَهْرًا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَيْ: مَصْبُوبًا فِي حَلْقِهِ قَهْرًا اهـ.

(قَوْلُ الْمَتْنِ عَلَى شُرْبِهَا) وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي عَلَى شُرْبِهِ اهـ أَيْ: الْمُسْكِرِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُكْرَهُ كُلُّ آكِلِ بِلَا تَنْوِينٍ (قَوْلُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ) الْأَسْبَكُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ) أَيْ: كَالْمُضْطَرِّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ: لُزُومِ التَّقَيُّؤِ (قَوْلُهُ وَعَلَى نَحْوِ السَّكْرَانِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَمَنْ حُدَّ ثُمَّ شَرِبَ الْمُسْكِرَ حَالَ سُكْرِهِ فِي الشُّرْبِ الْأَوَّلِ حُدَّ ثَانِيًا اهـ.

(قَوْلُهُ فَيُحَدُّ ثَانِيًا) أَيْ: حَالَ صَحْوِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ اهـ بُجَيْرِمِيٌّ عَنْ ع ش. .

(قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا) أَيْ:

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ مُنْتَفٍ عَنْ هَذَا وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَظِنَّةِ مُلَاحَظَةُ جِنْسِ الشَّارِبِ أَوْ الْمَشْرُوبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>