للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثَمَّ أَوْجَبَ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى الْبَذْلِ، بِأَنْ لَا يُكَلِّفُوهُ مَجَّانًا مُطْلَقًا، بَلْ مَعَ الْتِزَامِ الْعِوَضِ وَإِلَّا لَامْتَنَعُوا مِنْ الْبَدَلِ وَإِنْ عَصَوْا، فَيُؤَدِّي إلَى أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ رَهْنًا لَا فَوَاتَ لِلنَّفْسِ فَلَا مُوجِبَ لِمُسَامَحَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْمُوَاسَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ الْبَذْلُ هُنَا بِلَا بَدَلٍ لَا مُطْلَقًا، بَلْ مِمَّا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ السَّنَةِ، وَثَمَّ يَجِبُ الْبَذْلُ مِمَّا لَمْ يَحْتَجْهُ حَالًا وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ، لَكِنْ بِالْبَدَلِ، وَمِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ ضَرَرُ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ فَكُّ أُسَرَائِهِمْ بِتَفْصِيلِهِ الْآتِي فِي الْهُدْنَةِ وَعِمَارَةُ نَحْوِ سُورِ الْبَلَدِ، وَكِفَايَةُ الْقَائِمِينَ بِحِفْظِهَا فَمُؤْنَةُ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى الْقَادِرِينَ الْمَذْكُورِينَ خِلَافًا لِمَنْ حَدُّهُمْ بِأَنَّهُمْ مَنْ يَجِدُونَ بَعْدَمَا عَلَى كُلٍّ مِمَّا خَصَّهُ بِالتَّوْزِيعِ عَلَى عَدَدِهِمْ مَا يَبْقَى مَعَهُ يَسَارُهُمْ وَلَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ خَصَّ بِهِ الْوَالِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ.

(وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ) عَلَى أَهْلٍ لَهُ حَضَرَ إلَيْهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَهُ إنْ عُذِرَ بِنَحْوِ قَضَاءٍ أَوْ عُذْرِ جُمُعَةٍ أَيْ: وَلَمْ يُعْذَرْ الْمَطْلُوبُ، وَلَوْ بِنَحْوِ عُذْرِ جُمُعَةٍ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ، (وَأَدَاؤُهَا) عَلَى مَنْ تَحَمَّلَهَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَا يَأْتِي

(وَالْحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ) كَالتِّجَارَةِ وَالْحِجَامَةِ لِتَوَقُّفِ قِيَامِ الدِّينِ عَلَى قِيَامِ الدُّنْيَا وَقِيَامِهَا عَلَى ذَيْنِك، وَتَغَايُرُهُمَا الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَطْفُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الصِّحَاحِ يَكْفِي فِيهِ أَنَّ الْحِرْفَةَ أَعَمُّ عُرْفًا؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ مَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا وَغَيْرَهُ كَأَنْ يَتَّخِذَ صُنَّاعًا يَعْمَلُونَ عِنْدَهُ، وَالصَّنْعَةُ تَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ. (تَنْبِيهٌ)

صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ فِعْلِ بَعْضِ الْحِرَفِ كَالْحِجَامَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِفَرْضِيَّتِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّا إذَا نَهَيْنَا النَّاسَ عَنْ فِعْلِ الْحِجَامَةِ مَثَلًا مِنْ أَيِّ حَيْثِيَّةٍ كَانَ يَلْزَمُ تَرْكُهُمْ لَهَا فَلَا مَخْلَصَ إلَّا اعْتِمَادُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ أَكْلُ كَسْبِهَا لِلْحُرِّ لَا فِعْلُهَا فَتَأَمَّلْهُ.

(وَمَا يَتِمُّ بِهِ الْمَعَاشُ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَيْنِك (تَنْبِيهٌ)

لَا يُحْتَاجُ فِي هَذِهِ لِأَمْرِ النَّاسِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِطَرَهُمْ مَجْبُولَةٌ عَلَيْهَا، لَكِنْ لَوْ تَمَالَئُوا عَلَى تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَثِمُوا وَقُوتِلُوا كَمَا هُوَ قِيَاسُ بَقِيَّةِ فُرُوضِ الْكِفَايَةُ.

(وَجَوَابُ سَلَامٍ) مَسْنُونٌ وَإِنْ كُرِهَتْ صِيغَتُهُ وَلَوْ مَعَ رَسُولٍ أَوْ فِي كِتَابٍ، لَكِنْ هُنَا يَكْفِي جَوَابُهُ كِتَابَةً، وَيَجِبُ فِيهَا إنْ لَمْ يُرِدْ لَفْظًا الْفَوْرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.

وَيُسَنُّ الرَّدُّ عَلَى الْمُبَلِّغِ وَالْبُدَاءَةُ بِهِ، فَيَقُولُ: وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فِيهِ

ــ

[حاشية الشرواني]

الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا فَإِنَّ الْغِنَى لَا يُنَافِي الِاضْطِرَارَ إذْ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يُقَالُ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَوْجَهُ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْمُوَاسَاةُ مَجَّانًا بِلَا اضْطِرَارٍ فَمَعَ الِاضْطِرَارِ أَوْلَى. اهـ. سم فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا بِشَرْطِ الْغِنَى وَهُنَاكَ مُطْلَقًا الْبَذْلُ بِبَذْلٍ مَعَ غِنَى الْمَبْذُولِ إلَيْهِ وَبِدُونِهِ مَعَ فَقْرِهِ (قَوْلُهُ: ثَمَّ) أَيْ فِي الْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُكَلِّفُوهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْلِ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلنَّاسِ وَالْمَنْصُوبُ لِلْبَذْلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ غَنِيًّا كَانَ الْبَاذِلُ أَوْ لَا

(قَوْلُهُ: وَهُنَا) أَيْ فِي الْمُحْتَاجِ (قَوْلُهُ: لِمُسَامَحَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْمُوَاسَاةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوجِبِ يَعْنِي لِتَرْغِيبِ النَّاسِ فِي الْمُوَاسَاةِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَنْدَفِعُ) إلَى قَوْلِهِ فَمُؤْنَةُ ذَلِكَ فِي الْمُغْنِي.

(قَوْلُهُ: وَكِفَايَةِ الْقَائِمِينَ بِحِفْظِهَا) أَيْ الْبَلَدِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ الْجُنْدُ الْآنَ مِنْ الْجَوَامِكِ يَسْتَحِقُّونَهُ وَلَوْ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي إظْهَارِ شَوْكَتِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَأْخُذُهُ أُمَرَاؤُهُمْ مِنْ الْخُيُولِ وَالْمَمَالِيكِ الَّتِي لَا يَتِمُّ نِظَامُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْ إلَّا بِهَا لِقِيَامِهِمْ بِحِفْظِ حَوَادِثِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ: الْمَذْكُورِينَ) أَيْ فِي شَرْحِ وَدَفْعِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: حَدَّهُمْ) أَيْ فَسَّرَ الْقَادِرِينَ (قَوْلُهُ: مَا يَبْقَى إلَخْ) مَفْعُولُ يَجِدُونَ (قَوْلُهُ: اسْتِيعَابُهُمْ) أَيْ الْقَادِرِينَ الْمَذْكُورِينَ (قَوْلُهُ: خُصَّ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ فَكِّ الْأَسْرَى وَمَا بَعْدَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلتَّوْزِيعِ

(قَوْلُ الْمَتْنِ وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إعَانَةُ الْقُضَاةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَتَحَمُّلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلٍ) إلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ أَيْ وَلَمْ يُعْذَرْ إلَى الْمَتْنِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ عَلَى أَهْلٍ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلٍ إلَخْ) أَيْ عَدْلٍ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ) أَيْ مَنْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ (قَوْلُهُ: مِنْ نِصَابٍ) وَهُوَ اثْنَانِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ تَحَمَّلَ اثْنَانِ فِي الْأَمْوَالِ. اهـ. مُغْنِي

(قَوْلُ الْمَتْنِ وَالْحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ) اعْلَمْ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْحِرَفِ هَلْ يُشْتَرَطُ وُجُودُ جَمِيعِهَا أَوْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ يُفَصِّلُ فِيهَا بَيْنَ مَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَمَا تَعُمُّ وَمَا تَنْدُرُ؟ اهـ سَيِّدُ عُمَرَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَتَّخِذَ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ) أَيْ لِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَطْلُوبًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَكْلُ كَسْبِهَا) أَيْ الْحِجَامَةِ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَا يَتِمُّ بِهِ الْمَعَاشُ) أَيْ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَفِي الْحَدِيثِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» وَفَسَّرَهُ الْحَلِيمِيُّ بِاخْتِلَافِ الْهِمَمِ وَالْحِرَفِ. اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: عَطْفٌ مُرَادِفٌ) إلَى قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ كَمَا هُوَ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ هُنَا إلَى وَيُسَنُّ وَقَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْأَذْكَارِ إلَى أَمَّا كَوْنُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُضَعِّفْهُ (قَوْلُهُ: عَنْ ذَيْنِك) أَيْ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ) إلَى قَوْلِهِ كَمَا هُوَ قِيَاسٌ إلَخْ فِي الْمُغْنِي.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَتْ صِيغَتُهُ) كَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ كَمَا يَأْتِي. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: لَكِنْ هُنَا) إلَى قَوْلِهِ وَيُسَنُّ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَيَجِبُ الرَّدُّ فَوْرًا. اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ الرَّدُّ فَوْرًا بِاللَّفْظِ فِي الرَّسُولِ وَبِهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ فِي الْكِتَابِ. اهـ. وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. اهـ. سم (قَوْلُهُ: لَكِنْ هُنَا) أَيْ فِيمَا مَعَ رَسُولٍ أَوْ فِي كِتَابٍ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ) لَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

غَنِيًّا، فَإِنَّ الْغِنَى لَا يُنَافِي الِاضْطِرَارَ إذْ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَالِهِ الْحَالِّ، وَقَدْ يُقَالُ: الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَوْجُهُ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْمُوَاسَاةُ مَجَّانًا بِلَا اضْطِرَارٍ فَمَعَ الِاضْطِرَارِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَقْوَى تِلْكَ الْقُوَّةَ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: لَكِنْ هُنَا يَكْفِي جَوَابُهُ كِتَابَةً) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ الرَّدُّ فَوْرًا بِاللَّفْظِ فِي الرَّسُولِ وَبِهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ فِي الْكِتَابِ. اهـ. وَهِيَ مُصَرَّحَةٌ بِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>