بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ دُونَ غَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ أَعْمَى تُحْمَلُ عَلَى الْعِلْمِ، وَمِنْ بَصِيرٍ تُحْمَلُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ (وَيُحْمَلُ) الْقَاضِي فِي لَفْظِ الْحَالِفِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ (عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ فِعْلِ الْمُنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ بِالنِّسْبَةِ لِإِزَالَتِهِ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي الرُّءُوسِ نَعَمْ إنَّمَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فِي مُنْكَرٍ مَحْسُوسٍ لَا نَحْوِ زِنًا انْقَضَى وَإِلَّا اُعْتُبِرَ قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا فَاعِلُ الْمُنْكَرِ حَالَةَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَهِيَ فِي كُلٍّ بِمَا ذَكَرَ
(فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَى) الْقَاضِي (الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِأَلْ يَعُمُّهُ وَيَمْنَعُ التَّخْصِيصَ بِالْمَوْجُودِ حَالَةَ الْحَلِفِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فِي الْبَلَدِ تَخَيَّرَ مَا لَمْ يَخْتَصَّ كُلٌّ بِجَانِبٍ فَيَتَعَيَّنُ قَاضِي شِقِّ فَاعِلِ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا بِأَنَّ رَفْعَ الْمُنْكَرِ لِلْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ بِهِ لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ ذَلِكَ بَلْ لَيْسَ مَنُوطًا إلَّا بِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَتِهِ بَعْدَ الرَّفْعِ، وَلَوْ إلَيْهِ وَهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا فَالرَّفْعُ إلَيْهِ كَالْعَدَمِ وَلَوْ رَآهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّظُ لَهُ بَعْدَ غَفْلَتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْمُنْكَرِ الْقَاضِيَ
فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَاضٍ آخَرُ رَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِقَوْلِهِ رَفَعْتُ إلَيْك نَفْسِك؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُرَادُ عُرْفًا مِنْ لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْتُهُ إلَى الْقَاضِي (أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ) بِأَيِّ بَلَدٍ كَانَ لِصِدْقِ الِاسْمِ وَإِنْ كَانَ وِلَايَتُهُ بَعْدَ الْحَلِفِ (أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ) أَيْ: الْحَالِفُ الْمُنْكَرَ (ثُمَّ) لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى (عُزِلَ فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ) بِعَزْلِهِ (إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ) إلَيْهِ قَبْلَهُ (فَتَرَكَهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا فَوْرِيَّةَ هُنَا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُعْزَلْ وَلَمْ يَرْفَعْ لَهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَتَقْيِيدُ جَمْعٍ مِنْ الشُّرَّاحِ مَا ذَكَرَ فِي الْعَزْلِ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ عَزْلُهُ لِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ؛ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا قَالَ وَهُوَ قَاضٍ أَوْ نَوَاهُ فَإِنَّهُ الَّذِي لَا حِنْثَ فِيهِ بِالْعَزْلِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ
وَأَمَّا إذَا قَالَ مَا دَامَ أَوْ مَا زَالَ قَاضِيًا أَوْ نَوَاهُ فَيَتَعَيَّنُ حِنْثُهُ بِمُجَرَّدِ عَزْلِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَادَ أَمْ اسْتَمَرَّ مَعْزُولًا لِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ بِعَزْلِهِ فَلَمْ يَبَرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدُ، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنْ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الظَّرْفَ فِي إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ مَا دَامَ قَاضِيًا إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لِلرَّفْعِ، وَالدَّيْمُومَةُ مَوْجُودَةٌ حَيْثُ رَفَعَهُ إلَيْهِ فِي حَالِ الْقَضَاءِ قُلْت كَلَامُهُمْ فِي نَحْوِ لَا أُكَلِّمُهُ مَا دَامَ فِي الْبَلَدِ فَخَرَجَ ثُمَّ عَادَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَلَّقِ بِدَوَامِهِ مِنْ الْحَلِفِ إلَى الْحِنْثِ فَمَتَى زَالَ بَيْنَهُمَا فَلَا حِنْثَ عَمَلًا بِالْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَتِهِ.
ــ
[حاشية الشرواني]
يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّفْعِ بَلْ لَهُ الْمُهْلَةُ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ الْقَاضِي فَمَتَى رَفَعَهُ إلَيْهِ بَرَّ. اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ) وَعَلَيْهِ فَيَبَرُّ بِرَفْعِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ مُنْكَرًا اهـ ع ش وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ الْقَاضِي وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّفْعِ وَيَبْعُدُ تَنْزِيلُ الْيَمِينِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ اهـ وَعِبَارَةُ الْبُجَيْرِمِيِّ كَلَامُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْكَرٍ عِنْدَ الْفَاعِلِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ مِنْ الْحَنَفِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا عِنْدَ الْفَاعِلِ وَعِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَكُونَ لِلرَّفْعِ فَائِدَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: بَلَدِ فِعْلِ الْمُنْكَرِ) عِبَارَةُ الْأَسْنَى الَّذِي حَلَفَ فِيهِ دُونَ قُضَاةِ بَقِيَّةِ الْبِلَادِ. اهـ. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ أَيْ: بَلَدُ الْحَلِفِ لَا بَلَدُ الْحَالِفِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ أَيْ: بَلَدُ الْحَلِفِ لَا بَلَدُ الْحَالِفِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَكْسُ هَذَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ وَعِبَارَةُ سم وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَلَدُ الْحَالِفِ م ر وَلَعَلَّ نُسَخَ شَرْحِ الرَّوْضِ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا مَرَّ فِي الرُّءُوسِ) قَدْ مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: مَحْسُوسٍ) أَيْ: مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ: فِي كُلٍّ) أَيْ مِنْ الْمَحْسُوسِ وَالْمُنْقَضِي (قَوْلُهُ: تَخَيَّرَ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ مَنْ رَفَعَهُ لَهُ فِي الْعَادَةِ بِتَعْزِيرٍ وَلَا نَحْوِهِ لِعَظَمَةِ الْفَاعِلِ الصُّورِيَّةِ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَصَّ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي عِبَارَتُهُمَا وَإِنْ خُصَّ كُلٌّ بِجَانِبٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَاضِي شِقِّ فَاعِلِ الْمُنْكَرِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا) أَيْ: فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا. اهـ. سم أَيْ: وِفَاقًا لِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ) قَدْ زَادَ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَصُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَلَدُهُ انْتَهَى. اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِمَنْعِ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ مِمَّا يُنَازِعُ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَيُقَوِّي تَوَقُّفَ الشَّيْخِ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ نَكَّرَ الْقَاضِيَ فَقَالَ إلَى قَاضٍ حَيْثُ يَبَرُّ بِالرَّفْعِ لِغَيْرِ قَاضِي الْبَلَدِ مَعَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَةُ غَيْرِ قَاضِي الْبَلَدِ وَهَذَا مِمَّا يُنَازِعُ فِيمَا فِي الْمَطْلَبِ وَيُوَجَّهُ إطْلَاقُهُمْ. اهـ.
سم (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَآهُ) إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ قُلْت فِي الْمُغْنِي مَا يُوَافِقُهُ وَإِلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَكَمُكْرَهٍ فِي النِّهَايَةِ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّظُ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ صَدَرَ مِنْ الْقَاضِي مَا يَقْطَعُ بِتَيَقُّظِهِ وَعَدَمِ غَفْلَتِهِ كَالْمُبَادَرَةِ إلَى إنْكَارِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ. اهـ. سم أَقُولُ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ) وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِلَمْ يُكَلَّفْ (قَوْلُ الْمَتْنِ: فُلَانٍ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ عَلَمٍ لِمَنْ يَعْقِلُ وَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ. اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ: فِي مَسَائِلِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ: حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا) الْأَوْلَى أَحَدُهُمْ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: تَمَكَّنَ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ قَبْلَ الْعَزْلِ أَمْ لَا. اهـ. أَسْنَى (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الْخُرُوجُ وَلَمْ يَقْصِدْ الذَّهَابَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: الْوَصْفِ إلَخْ) وَهُوَ الْكَوْنُ فِي الْبَلَدِ فِي نَفْيِ التَّكْلِيمِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِإِمْكَانِ رَفْعِهِ لِمَنْ يُوَلَّى بَعْدُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: بَلَدُ فِعْلِ الْمُنْكَرِ) وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَلَدُ الْحَالِفِ م ر. (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا) كَتَبَ عَلَى التَّوَقُّفِ م ر (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا) أَيْ فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ) قَدْ زَادَ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَصُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَلَدُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِمَنْعِ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ: مِمَّا يُنَازِعُ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَيُقَوِّي تَوَقُّفَ الشَّيْخِ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَنْكَرَ الْقَاضِي فَقَالَ إلَى قَاضٍ حَيْثُ يَبَرُّ بِالرَّفْعِ لِغَيْرِ قَاضِي الْبَلَدِ مَعَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَةُ غَيْرِ قَاضِي الْبَلَدِ وَهَذَا مِمَّا يُنَازِعُ فِيمَا فِي الْمَطْلَبِ وَيُوَجَّهُ إطْلَاقُهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَآهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ فَاعِلُ الْمُنْكَرِ نَفْسَ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّظُ لَهُ بَعْدَ غَفْلَتِهِ) اُنْظُرْ لَوْ صَدَرَ مِنْ الْقَاضِي مَا يَقْطَعُ بِتَيَقُّظِهِ وَعَدَمِ غَفْلَتِهِ كَالْمُبَادَرَةِ إلَى إنْكَارِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ..