وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ حُصُولِ النِّعْمَةِ أَوْ انْدِفَاعِ النِّقْمَةِ الْمَذْكُورَيْنِ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ خَيْرٌ مِنْ إهْمَالِهِ وَمَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ فِي إنْ جَامَعْتنِي وَالْحَاصِلُ بَعْدَهُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته مِنْ الْجَمْعِ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَلَا) نَذْرُ (وَاجِبٍ) عَيْنِيٍّ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُبْهَمًا بِخِلَافِ خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا عَلَى مَا بَحَثَ أَوْ وَاجِبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ تَعَيَّنَ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ اُحْتِيجَ فِي أَدَائِهِ لِمَالٍ كَجِهَادٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ أَمْ لَا كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ عَيْنًا بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ، وَلَوْ نَذَرَ ذُو دَيْنٍ حَالٍّ أَنْ لَا يُطَالِبَ غَرِيمَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لُغِيَ؛ لِأَنَّ إنْظَارَهُ وَاجِبٌ، أَوْ مُوسِرًا وَفِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ لَهُ كَرَجَاءِ غُلُوِّ سِعْرِ بِضَاعَتِهِ
ــ
[حاشية الشرواني]
نَذْرُهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ لِأَحَدِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ شَيْئًا لِذِمِّيٍّ أَوْ مُبْتَدِعٍ جَازَ صَرْفُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ سُنِّيٍّ وَعَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ وَنَذَرَ لَهُ بِشَيْءٍ مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لَكِنْ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَضَ الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَنَذَرَ لَهُ مَا دَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّاذِرِ الْإِسْلَامُ. اهـ. ع ش وَأَقَرَّهُ الْبُجَيْرِمِيُّ
أَقُولُ مَا قَالَهُ ثَانِيًا مِنْ جَوَازِ إبْدَالِ ذِمِّيٍّ بِمُسْلِمٍ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ سم مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا امْتَنَعَ اهـ وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ لِأَحَدِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فِيهِ تَوَقُّفٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُرْمَةِ النَّذْرِ عَلَيْهِمْ النَّذْرُ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ
وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ انْعِقَادُ النَّذْرِ لِكَافِرٍ مُعَيَّنٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ التَّصَدُّقِ الْمَنْذُورِ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لِلْكَافِرِ مِنْهُمْ وَلَا صَرْفُ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ لَهُ فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت تَأْلِيفًا لِلسَّيِّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَشْهُورِ بِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ بَسَطَ فِيهِ أَدِلَّةً وَاضِحَةً وَنُقُولًا سَدِيدَةً مُصَرِّحَةً بِأَنَّ النَّذْرَ لِأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ فَجَرَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالتُّحْفَةُ وَالنِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي عَلَى أَنَّهُ كَالزَّكَاةِ فَيَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَرَجَّحَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَالسَّيِّدُ عُمَرُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بَافَضْلٍ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَمَتَى قَيَّدَ النَّاذِرُ نَذْرَهُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ إمَّا بِلَفْظِهِ أَوْ قَصْدِهِ أَوْ اطِّرَادِ الْعُرْفِ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ صَحَّ النَّذْرُ لَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَيْدُ خَاصًّا بِهِمْ ذَاتِيًّا كَفُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ أَوْ وَصْفِيًّا كَعُلَمَاءِ بَلَدِ كَذَا وَلَيْسَ بِهَا عَالِمٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ شَامِلًا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ كَعُلَمَاءِ بَلَدِ كَذَا وَفِيهَا عُلَمَاءُ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ أَنَّ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالتُّحْفَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالنَّذْرِ الْمُقَيَّدِ بِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَأَثْبَتَهُ بِأَدِلَّةٍ مِنْ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ غَيْرِهِمْ
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ ع ش فِي حَاشِيَةِ النِّهَايَةِ فِي نَذْرِ الْمُقْتَرِضِ لِمُقْرِضِهِ وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ حَيْثُ نَذَرَ إلَخْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ابْنِ حَجّ وَالرَّمْلِيِّ فَإِنَّهُمْ فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَالنِّهَايَةِ وَهُوَ فَهْمٌ فَاسِدٌ يَرُدُّهُ مَا أَسْلَفْنَاهُ وَانْتِقَالٌ مِنْ عَدَمِ الصَّرْفِ لِأَهْلِ الْبَيْت مِنْ نَذْرٍ صَحَّ إلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْعَقِدُ لَهُمْ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. عِبَارَةُ بَاصَبْرِينٍ فِي حَاشِيَةِ فَتْحِ الْمُعِينِ قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا أَيْ: وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَنَذْرُ غَيْرِ السَّيِّدِ لِلسَّيِّدِ بِخُصُوصِهِ وَنَذْرُ السَّيِّدِ لِلسَّيِّدِ بِخُصُوصِهِ صَحِيحٌ كَنَذْرِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَكَالنَّذْرِ لِغَنِيٍّ بِخُصُوصِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا جَعَلَهُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَوْ قَصَدَ الْإِحْسَانَ بِرَدِّ الزَّائِدِ الْمَنْدُوبِ لَهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ (قَوْلُهُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ مَا مَرَّ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النِّهَايَةُ
(قَوْلُهُ: عَيْنِيٌّ) إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ نَذَرَ ذُو دَيْنٍ فِي الْمُغْنِي إلَّا مَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَإِلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ أَوْ لَيْسَ فِيهِ إلَى وَلَهُ فِيمَا إذَا وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَبِيعَهُ إلَى وَلَوْ أَسْقَطَ وَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَزَمَ أَعْلَاهَا. اهـ. أَيْ: سَوَاءٌ عَبَّرَ بِأَعْلَاهَا أَوْ عَيَّنَ مَا هُوَ الْأَعْلَى فِي الْوَاقِعِ سم وَعِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْ خِصَالِهِ هَلْ يَنْعَقِدُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ رَجَّحَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالْقَاضِي الثَّالِثَ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يُغَيَّرُ اهـ وَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي الشَّارِحِ مُوَافِقٌ لِمَا رَجَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مُوَافِقٌ لِمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: وَفِي الصَّبْرِ) إلَى لَزِمَهُ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ قَصَدَ إرْفَاقَهُ لِارْتِفَاعِ سِعْرِ سِلْعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الرَّشِيدِيُّ -
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) هَذَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثُمَّ نَذَرَهَا فَلَوْ نَذَرَ أَحَدَ خِصَالِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ، فَأَصَحُّ الْآرَاءِ عَدَمُ اللُّزُومِ وَإِنْ كَانَ مَا نَذَرَهُ أَعْلَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَعْلَاهَا ش م ر أَيْ: سَوَاءٌ عَبَّرَ بِأَعْلَاهَا أَوْ عَيَّنَ مَا هُوَ الْأَعْلَى فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَذَرَ ذُو دَيْنٍ حَالٍّ أَنْ لَا يُطَالِبَ غَرِيمَهُ إلَخْ) وَكَثِيرًا مَا تَنْذِرُ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لَا تُطَالِبُ زَوْجَهَا بِحَالِّ صَدَاقِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ نَذْرُ تَبَرُّرٍ إنْ رَغِبَتْ حَالَ نَذْرِهَا فِي بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ وَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي مُطَالَبَتِهِ وَأَنْ تُحِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ شَمِلَ فِعْلَهَا فَقَطْ فَإِنْ زَادَتْ فِيهِ وَلَا بِوَكِيلِهَا وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ، لَزِمَ وَامْتَنَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر.