حَيْثُ نِسْبَةُ هَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا مَعْنَاهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي خَبَرِ «إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» مَعْنَاهُ إنِّي أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَعِبَارَةُ الْأُمِّ عَقِبَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُورِ فَأَخْبَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إلَى اللَّهِ بَلْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَعْنَاهُ وَعِبَارَتُهُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إلَى اللَّهِ انْتَهَتْ. وَبِهَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ رَدُّ إطْلَاقِ أُولَئِكَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ. وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ كَاذِبٍ الْهَرَبُ بَلْ، وَالْقَتْلُ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبُضْعِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّبِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ.
وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُمْ: الْإِكْرَاهُ لَا يُبِيحُ الزِّنَا لِشُبْهَةِ سَبْقِ الْحُكْمِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَيَّدَ عَدَمَ الْإِثْمِ بِمَا إذَا رُبِطَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا حَرَكَةٌ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَوْ كَانَ هَذَا مُرَادًا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا هُنَا، وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حُرْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ تُرْبَطْ كَذَلِكَ، فَإِنْ وُطِئَتْ فَزِنًا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَوَطْءُ شُبْهَةٍ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ، وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ الْأَوَّلَ قَالَا: وَالشُّبْهَةُ إنَّمَا تُرَاعَى حَيْثُ قَوِيَ مَدْرَكُهَا لَا كَهَذِهِ، أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافٍ الْمُجْتَهِدَيْنِ كَالتَّسْلِيطِ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ الَّذِي لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ نَفَذَ بَاطِنًا أَيْضًا، وَكَذَا إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَنْفُذُ بَاطِنًا أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِنْ ثَمَّ حَلَّ لِلشَّافِعِيِّ طَلَبُهَا مِنْ الْحَنَفِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النُّفُوذَ بَاطِنًا يَسْتَلْزِمُ الْحِلَّ فَلَمْ يَأْخُذْ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لِلْحَنَفِيِّ مَنْعُهُ مِنْ طَلَبِهَا وَجَازَ لِلشَّافِعِيِّ الشَّهَادَةُ بِهَا، لَكِنْ لَا بِصِيغَةِ أَشْهَدُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ كَمَا أَنَّ لَهُ حُضُورَ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ إنْ قَلَّدَ أَوْ أَرَادَ حِفْظَ الْوَاقِعَةِ، نَعَمْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى، وَلَا شَهَادَةٌ عَلَى مُرْتَدٍّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الدِّمَاءِ أَغْلَظُ.
وَجَازَ أَيْضًا لِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ أُنْهِيَ إلَيْهِ مَا لَا يَرَاهُ مِنْ أَحْكَامِ مُخَالِفِيهِ تَنْفِيذُهَا وَإِلْزَامُ الْعَمَلِ بِهَا فَلَوْ فُسِخَ نِكَاحُ امْرَأَةٍ أَوْ خُولِعَتْ مِرَارًا وَحَكَمَ حَنْبَلِيٌّ بِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلشَّافِعِيِّ لِيُزَوِّجَهَا فِي الْأُولَى مِنْ آخَرَ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ
ــ
[حاشية الشرواني]
أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ آخِرَ هَذَا الْقَوْلِ أَيْ: قَوْلِهِ: كَمَا قَالَهُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ بِخُصُوصِهِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: فِي خَبَرِ إنِّي لَمْ أُومَرْ إلَخْ) أَيْ: فِي تَفْسِيرِهِ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إلَخْ) مَقُولُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةِ الْأُمِّ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: تُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا، أَوْ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: فَأَخْبَرَهُمْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أُولَئِكَ الْحُفَّاظِ) لَمْ يَسْبِقْ فِي كَلَامِهِ مِنْهُمْ غَيْرَ الْحَافِظِ الْعِرَاقِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهَا) إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ أُكْرِهَتْ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ ثَمَّ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى أَمَّا بَاطِنُ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهَا إلَخْ) أَيْ: وَلَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: بَلْ وَالْقَتْلُ إلَخْ) وَمِثْلُهَا مَنْ عَرَفَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ) أَيْ: وَلَوْ بِسُمٍّ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ) أَيْ: طَالِبِ الْوَطْءِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا نَظَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: دَفْعُ الصَّبِيِّ) أَيْ: الْمَجْنُونِ عَنْهُ أَيْ: الْبُضْعِ. اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ سَبْقِ الْحُكْمِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ) وَهُوَ الْإِسْنَوِيُّ أَسْنَى وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ وُطِئَتْ إلَخْ) أَيْ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ كَاذِبٍ عِبَارَةُ الْمُغْنِي، وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَفِي حَدِّهِ بِالْوَطْءِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي عَدَمُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَيْ: الْمَحْكُومُ بِهِ طَلَاقًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَالْحَدِّ، وَيَبْقَى التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لَا النَّفَقَةُ لِلْحَيْلُولَةِ. وَلَوْ نَكَحَتْ آخَرَ فَوَطِئَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَشُبْهَةٌ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ، وَوَطِئَ فَكَذَا فِي الْأَشْبَهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَوَّلَ) أَيْ: كَوْنَ وَطْئِهَا زِنًا وَقَوْلُهُ: قَالَا: أَيْ: الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ) إلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ ثَمَّ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: كَظَاهِرِهِ) أَيْ: بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ صَادِقٍ. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: الَّذِي لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ) أَيْ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ كَشَهَادَةِ زُورٍ فَكَالْأَوَّلِ. اهـ. نِهَايَةٌ أَيْ: كَالْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ الَّذِي يَنْقُضُهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ ع ش.
(قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ بَاطِنًا أَيْضًا إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لِيَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ وَيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ مُغْنِي وَأَسْنَى. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ حَلَّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ أَوْ بِالْإِرْثِ بِالرَّحِمِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالِاجْتِهَادُ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى غَيْرِهِ مُغْنِي وَأَسْنَى (قَوْلُهُ: وَجَازَ لِشَافِعِيٍّ الشَّهَادَةُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ فَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي لَا الشَّاهِدُ كَشَافِعِيٍّ شَهِدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِشَهَادَتِهِ بِذَلِكَ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجِوَارِ وَهُوَ جَائِزٌ، ثَانِيهمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ. اهـ. زَادَ الْمُغْنِي وَهَذَا لَا يَأْتِي مَعَ تَعْلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ لَهُ) أَيْ: لِلشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى إلَخْ) هَلْ الْإِفْتَاءُ وَرِوَايَةُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ يُتَأَمَّلْ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ. (قَوْلُهُ: عَلَى مُرْتَدٍّ إلَخْ) أَيْ: عَلَى ارْتِدَادِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ: كَجَوَازِ الشَّهَادَةِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ فُسِخَ نِكَاحُ امْرَأَةٍ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا فِي فَسْخٍ لَا يُسَوِّغُهُ الشَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِنَادِ بِحُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ بِصِحَّتِهِ. اهـ. سم (قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: فَلَوْ فُسِخَ نِكَاحُ امْرَأَةٍ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا فِي فَسْخٍ لَا يُسَوِّغُهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِنَادِ لِحُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ