حُكْمَ غَيْرِ مُتَبَحِّرٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَقِ عَنْ رُتْبَةِ التَّقْلِيدِ وَحُكْمَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ الْمُعْتَمَدَ أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ قَاضِيَ ضَرُورَةٍ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِالْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ. وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ، بِخِلَافِ الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ. وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ فَتَاوِيه فِي الْوَقْفِ وَأَطَالَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ أَنْ يَأْخُذُوا بِالرَّاجِحِ وَأَوْجَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَقْلِيدَهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ الْأَوَّلِينَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعُوهُ: وَيَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ إذَا رَجَّحَ قَوْلًا وَلَوْ مَرْجُوحًا فِي مَذْهَبِهِ بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَاذٍّ، أَوْ غَرِيبٍ فِي مَذْهَبِهِ إلَّا إنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ بِاللَّفْظِ، أَوْ الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ: عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي قَضَاءٍ، وَلَا إفْتَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَمَرَّ آنِفًا لِذَلِكَ مَزِيدٌ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالصِّحَّةِ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ بَعْضِ وُجُوهِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا فَلِمُخَالَفِهِ الْحُكْمُ بِفَسَادِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَصَغِيرَةٍ زَوَّجَهَا غَيْرُ مُجْبِرٍ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَيَلْزَمُهُ التَّسْجِيلُ بِالنَّقْضِ إنْ سَجَّلَ بِالْمَنْقُوضِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَتَى نَقَضَ حُكْمَ غَيْرِهِ سُئِلَ عَنْ مُسْتَنَدِهِ وَقَوْلُهُمْ: لَا يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ مُسْتَنَدِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ نَقْضًا أَيْ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا، أَوْ جَاهِلًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. (لَا) مَا بَانَ خِلَافَ قِيَاسٍ (خَفِيٍّ) ، وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ كَقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ لِاحْتِمَالِهِ.
(وَالْقَضَاءُ) أَيْ: الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ، بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ تَنْفِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ كَاذِبَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا لِمَالٍ، وَلَا لِبُضْعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَخَبَرِ «أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» جَزَمَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَكَذَا أَنْكَرَهُ الْمِزِّيُّ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ مِنْ
ــ
[حاشية الشرواني]
قَوْلُهُ: حُكْمَ غَيْرِ مُتَبَحِّرٍ) وَسَيَأْتِي حُكْمَ الْمُتَبَحِّرِ فِي قَوْلِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَتَبِعُوا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحُكْمَ مَنْ لَا يَصْلُحُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَسْنَى وَلَوْ قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِشَهَادَةٍ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا (تَنْبِيهٌ)
هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تُنْقَضُ، وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ) أَيْ: الْمُجْتَهِدِينَ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِكَلَامِ السُّبْكِيّ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ:) أَيْ: قَوْلِ مُوَلِّيهِ فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ. (قَوْلُهُ: مَنْ تَقَدَّمَهُ) الْأَوْلَى الْخَطَّابُ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ: ابْنُ الصَّلَاحِ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ) وَهُوَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَمَرَّ آنِفًا) أَيْ: فِي الْفُرُوعِ فِي التَّقْلِيدِ.
(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ التَّسْجِيلُ إلَخْ) أَيْ: لِيَكُونَ التَّسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلًا لِلْأَوَّلِ كَمَا كَانَ الْحُكْمُ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: إنْ سَجَّلَ بِالْمَنْقُوضِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَجَّلَ بِالْحُكْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِسْجَالُ بِالنَّقْضِ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْجَالُ بِهِ أَوْلَى. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: حُكْمَ غَيْرِهِ) وَكَذَا حُكْمُ نَفْسِهِ فِي قَاضِي الضَّرُورَةِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: سُئِلَ عَنْ مُسْتَنِدِهِ) لَوْ قَالَ: نَقَضْت بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ النَّقْضَ شَرْعًا وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ نَقْضُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ) أَيْ: مَعَ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَ مُوَلِّيهِ عَنْ السُّؤَالِ. (قَوْلُهُ: لَا مَا بَانَ) إلَى قَوْلِهِ: وَخَبَرِ أُمِرْت فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ: وَغَيْرُهُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: جَزَمَ إلَى أَنْكَرَهُ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ) أَيْ: الْفَارِقِ وَهُوَ كَثْرَةُ الِاقْتِيَاتِ فِي الْبُرِّ دُونَ الذُّرَةِ وَلَا يَبْعُدُ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ أَيْ: بِنَفْيِ الرِّبَوِيَّةِ عَنْ الذُّرَةِ. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَنْقُضُهُ إلَخْ) وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، أَوْ بِنَفْيِ بَيْعِ الْعَرَايَا، أَوْ بِمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ، أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، أَوْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ نُقِضَ قَضَاؤُهُ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِحْسَانٍ فَاسِدٍ وَهُوَ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ، أَوْ لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ، أَمَّا إذَا اُسْتُحْسِنَ الشَّيْءُ لِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ وَنِهَايَةٌ.
. (قَوْلُهُ: فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ) أَيْ: بِأَنْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ كَشَهَادَةِ زُورٍ أَسْنَى، وَمَنْهَجٌ. (قَوْلُهُ: لَعَلَّ بَعْضَكُمْ إلَخْ) أَوَّلُهُ كَمَا فِي الْأَسْنَى «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ» إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَلْحَنَ) أَيْ: أَقْدَرَ. اهـ. ع ش عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ أَيْ: أَبْلَغَ وَأَعْلَمَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَخَبَرِ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ صَنِيعِ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ الظَّوَاهِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَزَمَ الْحَافِظُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ، لَكِنْ جَزَمَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ خَبَرَ أُمِرْت إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْمِزِّيُّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ إلَخْ) أَيْ: إنْكَارَ الْمِزِّيِّ. (قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
الْأَقَلِّ عَلَى عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِنَّمَا نُقِضَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْيَدِ أَيْ: الثَّابِتَةِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ هُنَاكَ وَمِنْهُ هَذَا. وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ السُّبْكِيّ بِالشَّكِّ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ بِصِفَاتِهَا وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْأُولَى، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا تَلِفَتْ، وَلَا تَوَافُقَ وَلَمْ يُقْطَعْ بِكَذِبِ الْأُولَى. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَرَّدَ كَلَامَ السُّبْكِيّ إلَخْ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: غَيْرِ مُتَبَحِّرٍ) أَخْرَجَ حُكْمَ الْمُتَبَحِّرِ بِمَا ذُكِرَ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعُوهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا أَنْكَرَهُ الْمِزِّيُّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ش م ر