للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُطَالَبَةِ بِهَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ وَغَيْرُهُ يُطَالَبُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، بَلْ لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْفُرُوعِ أَيْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهَا بِالْإِسْلَامِ وَلِنَصِّ {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٧] وَلَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ بِلَا تَعَدٍّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ وَوُجُوبُهَا عَلَى مُتَعَدٍّ بِنَحْوِ جُنُونِهِ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِهِ وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَلَا حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ وَإِنْ اسْتَعْجَلَتَا ذَلِكَ بِدَوَاءٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُكَلَّفَتَانِ بِتَرْكِهَا

قِيلَ إنْ حُمِلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى أَضْدَادِ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ وَعَدَمِ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا وَرَدِّ الْكَافِرِ، أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ وَرُدَّ أَيْضًا، أَوْ عَلَى الثَّانِي وَرَدِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ انْتَهَى وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ حَيْثُ أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ فِي الْكَافِرِ تَفْصِيلًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ

ــ

[حاشية الشرواني]

لِلْمُطَالَبَةِ إلَخْ) أَيْ: مِنَّا وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا عُوقِبَ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ إلَخْ) أَيْ مِنَّا وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ شَرْعًا إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا سم وع ش (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا إلَخْ) أَيْ: كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ النَّبِيذِ، وَالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ع ش قَالَ السَّيِّدُ الْبَصْرِيُّ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِهِ أَيْ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إذَا وَافَقَ طَرَفُ الْإِيجَابِ فِي الْمَأْمُورِ، وَالتَّحْرِيمَ فِي الْمَنْهِيِّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ سَوَاءٌ أَجْمَعَ عَلَيْهَا أَوْ اخْتَلَفَ فِيهَا إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ وَمُقَلِّدِيهِ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ تَحْقِيقِ النَّوَوِيِّ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَتَحْرِيمِ خَمْرٍ وَزِنًا وَرِبًا انْتَهَتْ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ إشْعَارٌ بِالتَّقْيِيدِ لَا سِيَّمَا إنْ جُعِلَتْ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُحَشِّي فِي الْآيَاتِ وَشُرُوحِ الْوَرَقَاتِ اهـ

(قَوْلُهُ: فِي الْآخِرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِقَابِ (قَوْلُهُ: وَوُجُوبُهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ وُجُوبُ انْعِقَادٍ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِكَوْنِ الصَّلَاةِ وَاجِبَةً عَلَيْهِ أَرَادَ أَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ جُنُونِهِ) أَيْ: كَسُكْرِهِ وَإِغْمَائِهِ سم (قَوْلُهُ: وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ) أَيْ: وُجُوبُ سَبَبِهِ انْعِقَادُ السَّبَبِ وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ أَيْ لَا وُجُوبُ أَدَاءً وَفِيهِ أَنَّ انْعِقَادَ السَّبَبِ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُكَلَّفِ فَكَأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَائِهَا فَوَجَبَ الْقَضَاءُ نَظَرًا لِذَلِكَ تَأَمُّلٌ حَلَبِيٌّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ مَعَ قَصْدِ التَّغْلِيظِ فَلَا يَرِدُ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي اهـ بُجَيْرِمِيٌّ

وَ (قَوْلُهُ: أَيْ وُجُوبُ سَبَبِهِ انْعِقَادٌ إلَخْ) الْأَوْلَى أَيْ وُجُوبٌ أُرِيدَ بِهِ انْعِقَادُ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِنَحْوِ جُنُونٍ كَمَا يُفِيدُهُ صَنِيعُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الْكُرْدِيِّ أَنَّهُ صِلَةُ سَبَبٍ (قَوْلُهُ: قِيلَ) إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ لِاقْتِصَارٍ إلَى لِكَوْنِهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْجَهَ فِي جَوَابِ هَذَا الْقِيلِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ مَعَ أَثَرِهِ الَّذِي هُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا وَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ انْتِفَاؤُهُ عَنْ الْأَضْدَادِ بِانْتِفَاءِ جُزْأَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا سم عَلَى حَجّ اهـ رَشِيدِيٌّ وَقَوْلُهُ بِانْتِفَاءِ جُزْأَيْهِ أَيْ كَالْمَجْنُونِ، وَالْحَائِضِ وَقَوْلُهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا كَالْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا مِنَّا، وَالصَّبِيُّ يُطَالَبُ بِهَا مِنْ وَلِيِّهِ لَا مِنْ الشَّارِعِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى أَضْدَادٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ

(قَوْلُهُ: وَرَدِّ الْكَافِرِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّرْكِ سم (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ ع ش (قَوْلُهُ: وَرَدِّ إلَخْ) أَيْ: الْكَافِرِ لِذَلِكَ سم (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الثَّانِي) أَيْ: عَدَمُ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا ع ش (قَوْلُهُ: وَرَدِّ غَيْرِهِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهِ كَالصَّبِيِّ سم (قَوْلُهُ: لِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ الطَّلَبِ الْجَازِمِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنَّ فِي الْكَافِرِ تَفْصِيلًا) وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَتَارَةً لَا يَجِبُ فَبِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

قَوْلُهُ: لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُطَالَبُ مِنَّا وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ شَرْعًا إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ جُنُونِهِ) أَيْ: كَسُكْرِهِ وَإِغْمَائِهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْجَهَ فِي جَوَابِ هَذَا الْقِيلِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ مَعَ أَثَرِهِ الَّذِي هُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا وَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ انْتِفَاؤُهُ عَنْ الْأَضْدَادِ بِانْتِفَاءِ جُزْأَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: وَرَدُّ الْكَافِرِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِالتَّرْكِ وَقَوْلُهُ وَرَدَّ أَيْ الْكَافِرُ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ غَيْرُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهِ كَالصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: تَفْصِيلًا) يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَدْخَلَ الْمُرْتَدَّ فِي الْمُسْلِمِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ فِيمَا مَضَى إلَخْ فَلَا يَدْخُلُ حِينَئِذٍ فِي أَضْدَادِ مَنْ ذُكِرَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الطَّلَبُ طَلَبًا جَازِمًا ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ

وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ مِنَّا لَهُمْ بِذَلِكَ، أَوْ عَدَمِهَا فَأَمْرٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَإِنْ أَرَادَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْعِقَابِ، وَالْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ دُونَ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الْوُجُوبِ شَرْعًا الثَّابِتُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ أُرِيدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>