وَيَظْهَرُ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَلِفِهِ طَلَاقُهُ ظَاهِرًا فَسَاوَى الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَرَجْعَةٍ وَلِعَانٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَوَكَالَةٍ وَلَوْ فِي دِرْهَمٍ وَسَائِرِ مَا مَرَّ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي فَغُلِّظَ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ فِيمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: (وَ) فِي (مَالٍ) أَوْ حَقِّهِ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ (يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ) وَهُوَ كَمَا قَالَاهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَمَا عَدَاهُمَا لَا بُدَّ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ نَصَّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالذَّهَبِ لَا غَيْرَ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ هُنَا لِتَعَيُّنِ الذَّهَبِ مَعْنًى فَلِذَا أَعْرَضَا عَنْهُ أَيْ: وَمَا أَوْهَمَ التَّعَيُّنَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لَا غَيْرَ لَا فِي اخْتِصَاصٍ وَلَا فِيمَا دُونَ نِصَابٍ أَوْ حَقِّهِ كَإِنْ اخْتَلَفَ مُتَبَايِعَانِ فِي ثَمَنٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: عِشْرُونَ وَالْمُشْتَرِي عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ إنَّمَا هُوَ فِي عَشْرَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقِيرٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ مُوَاسَاةٌ، نَعَمْ إنْ رَآهُ لِنَحْوِ جَرَاءَةِ الْحَالِفِ فَعَلَهُ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مُطْلَقًا (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ) بِالزَّمَانِ وَكَذَا الْمَكَانِ فِي غَيْرِ نَحْوِ مَرِيضٍ وَحَائِضٍ، وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمَرَضِ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ التَّغْلِيظَ بِهِ حِينَئِذٍ حَرَامٌ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ يُغَلَّظُ عَلَيْهَا بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَحْضُرُ لِلدَّعْوَى عَلَيْهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ نَحْوَ الْمَرَضِ عُذْرٌ حِسِّيٌّ بِخِلَافِ التَّخْدِيرِ وَغَيْرِهِمَا، نَعَمْ التَّغْلِيظُ بِحُضُورِ جَمْعٍ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَبِتَكْرِيرِ اللَّفْظِ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا
وَيُسَنُّ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَمَرَّ أَوَائِلَ الْأَيْمَانِ أَنَّ مَا يُذْكَرُ فِيهَا مِنْ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهَا إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَإِنَّ هَذَا لَا يَأْتِي إلَّا عَلَى كَلَامِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَوْ الْغَزَالِيِّ الْمُشْتَرِطَيْنِ انْتِفَاءَ الْإِشْعَارِ بِالنَّقْصِ دُونَ التَّوْقِيفِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ
ــ
[حاشية الشرواني]
حَالِفٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَخْ ع ش. (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ حَلِفِهِ طَلَاقُهُ) أَيْ: لِأَنَّ هَذَا الْحَلِفَ يُغَلَّظُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ إلَخْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْحِنْثَ، وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا اللُّزُومُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا غَيْرَ مُغَلَّظَةٍ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ حَلِفٌ بِمَا ذَكَرَ إذْ التَّغْلِيظُ مَنْدُوبٌ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ خُصُوصًا لِضَرُورَةِ الْحَلِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا) أَيْ: لُزُومًا ظَاهِرًا. (قَوْلُهُ: فَسَاوَى) أَيْ: قَوْلُهُ: أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَوَكَالَةٌ) أَيْ: وَقَوَدٌ وَوِصَايَةٌ وَتُغَلَّظُ فِي الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَالْقَلِيلُ مِنْ الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ، أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فِيهِ مُطْلَقًا مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي دِرْهَمٍ) أَيْ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ الْوِلَايَةُ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَغُلِّظَ) أَيْ: الْحَلِفُ عِبَارَةُ الْمُغْنِي فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَخِيَارٍ إلَخْ) أَيْ: وَحَقِّ الشُّفْعَةِ أَسْنَى وَمُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَاهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّغْلِيظُ فِي أَيِّ نِصَابٍ كَانَ مِنْ نَعَمٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً تَحْدِيدًا، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ مَا قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَوْهَمَ التَّعَيُّنَ إلَخْ) أَيْ: مِنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِيمَا دُونَ نِصَابٍ إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ لِيَتِيمٍ أَوْ لِوَقْفٍ ع ش. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ رَآهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَسْنَى نَعَمْ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إنْ رَآهُ لِجَرَاءَةٍ يَجِدُهَا فِي الْحَالِفِ اهـ. وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: إنْ رَآهُ الْحَاكِمُ أَيْ: فِيمَا دُونَ النِّصَابِ اهـ. اُنْظُرْ هَلْ الِاخْتِصَاصُ مِثْلُ مَا دُونَ النِّصَابِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ وَالنِّهَايَةِ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ وَسَيَأْتِي عَنْ ع ش مَا يُوَافِقُهُ. (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ إلَخْ) هَذَا التَّعْبِيرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ بِغَيْرِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ وَمَا وَجْهُهُ؟ رَشِيدِيٌّ أَقُولُ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا اقْتَضَاهُ، وَوَجْهُهُ زِيَادَةُ إيذَاءِ الْحَالِفِ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ بَلَغَ نِصَابًا أَمْ لَا وَشَمِلَ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصَ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ فِيهِ ع ش. (قَوْلُهُ: بِالزَّمَانِ) إلَى قَوْلِهِ: وَيَظْهَرُ فِي الْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ نَحْوِ مَرِيضٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ إلَخْ) قَضِيَّةُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي عَدَمُ الْإِلْحَاقِ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: الْمَكَانِ حِينَئِذٍ أَيْ: إذْ كَانَ الْحَالِفُ نَحْوَ مَرِيضٍ أَوْ حَائِضٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: اسْتِثْنَاءِ نَحْوِ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْفَرْقِ سم. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِمَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الزَّمَانِ وَيُحْتَمَلُ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ) إلَى قَوْلِهِ وَيُسَنُّ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ: أَمَّا أَوَّلًا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: وَبِتَكْرِيرِ اللَّفْظِ وَقَوْلَهُ: وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ إلَى مِنْ الطَّالِبِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ مُغْنِي وَأَسْنَى. (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ: الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: لَا تَوْقِيفَ فِيهِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي الطَّالِبِ الْغَالِبِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْغَزَالِيُّ) كَذَا فِي أَصْلِهِ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ حَلِفِهِ طَلَاقُهُ ظَاهِرًا) أَيْ:؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَلِفَ يُغَلَّظُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْحِنْثَ، وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا اللُّزُومُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا غَيْرَ مُغَلَّظَةٍ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ حَلِفٌ بِمَا ذَكَرَ، إذْ التَّغْلِيظُ مَنْدُوبٌ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ خُصُوصًا هُنَا؛ لِضَرُورَةِ الْحَلِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ نَحْوَ الْمَرَضِ عُذْرٌ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْفَرْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute