أَيْ مَا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الْوَتْرُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَتَسْمِيَتُهُ وَاجِبًا فِي حَدِيثٍ كَتَسْمِيَةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ مَزِيدُ التَّأْكِيدِ وَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ مَا لَا يُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ وَمَا اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّوَاتِبِ صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ اعْتَرَضَهُ؛ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يَتْبَعُ الْفَرَائِضَ فَلَا يَدْخُلُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى بِهِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ رَاتِبَتَهَا لَمْ يَصِحَّ وَتَارَةً عَلَى السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ فَيَدْخُلُ وَجَرَيَا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَلَوْ صَلَّى مَا عَدَا رَكْعَةَ الْوِتْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ ثَوَابَ كَوْنِهِ مِنْ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ وَكَذَا مَنْ أَتَى بِبَعْضِ التَّرَاوِيحِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَتَى بِبَعْضِ الْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِهَا لَيْسَ لَهَا أَبْعَاضٌ مُتَمَايِزَةٌ بِنِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا بِخِلَافِ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.
(وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» وَصَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ» وَبِهِ اُعْتُرِضَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ يُكْرَهُ الْإِيتَارُ بِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا خِلَافُ الْأَوْلَى لِمُخَالَفَتِهِ لِأَكْثَرِ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَكْرُوهَةٌ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا يُنَافِيهِ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ حُصُولِ أَصْلِ السُّنَّةِ بِهَا (وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) رَكْعَةً لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهِيَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهَا «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ
ــ
[حاشية الشرواني]
ع ش
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا لَا يُسَنُّ) إلَى قَوْلِهِ وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا جَامِعَ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ إلَخْ) أَيْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ كَمَا قَالَ بِوُجُوبِهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخَبَرِ إلَخْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَوَاتِ وُسْطَى وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى صَاحِبَيْهِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ إلَخْ) وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» مُغْنِي (قَوْلُهُ: وَتَسْمِيَتُهُ وَاجِبًا إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي وَلَفْظُ الْأَمْرِ فِي خَبَرِ «أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» لِلنَّدْبِ لِإِرَادَةِ مَزِيدِ التَّأْكِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْبِيرِ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ اعْتَرَضَهُ إلَخْ) مِنْهُمْ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي مَوَاضِعَ) مِنْهَا الرَّوْضَةُ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُثَابَ عَلَى مَا أَتَى بِهِ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ سم ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ ابْتِدَاءَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِمَّا يُوهِمُ مُخَالَفَةَ مَا ذَكَرَهُ أَيْ الشَّارِحِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَصْرِيِّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الِاقْتِصَارَ ابْتِدَاءً عَلَى الشَّفْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَعِنَّ لَهُ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِيتَارِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ. اهـ.
وَتَقَدَّمَ عَنْ سم وَالرَّشِيدِيِّ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: ثَوَابَ كَوْنِهِ مِنْ الْوِتْرِ) أَيْ لَا ثَوَابَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَجْمُوعِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ) الْأَنْسَبُ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ جَمِيعٌ لَا مَجْمُوعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ بَصْرِيٌّ وَقَدْ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْبِيرِ بِالْجَمِيعِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ أَتَى بِبَعْضِ التَّرَاوِيحِ) أَيْ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ فَيُثَابُ عَلَيْهِمْ ثَوَابَ كَوْنِهَا مِنْ التَّرَاوِيحِ، وَإِنْ قَصَدَ ابْتِدَاءً الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَتَى بِبَعْضِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ بَعْضِ الْكَفَّارَةِ بَلْ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُ إكْمَالَهُ وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا ع ش (قَوْلُهُ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا) مَا عَدَا هَذَا الْقَيْدَ مِمَّا تَقَدَّمَ مَوْجُودٌ فِي الصَّوْمِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا هَذَا فَإِثْبَاتُهُ فِي الْوِتْرِ دُونَ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَكَيْفَ سَاغَ الْفَرْقُ بِهِ سم (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ) إلَى قَوْلِهِ وَيُجَابُ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَقِيلَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ إلَخْ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْخَبَرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنَ الِاقْتِصَارِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَ (قَوْلُهُ: الْخَبَرُ) أَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) شَمَلَ مَا لَوْ أَتَى بِبَعْضِ الْوِتْرِ ثُمَّ تَنَفَّلَ ثُمَّ أَتَى بِبَاقِيهِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ) إلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ) إلَى قَوْلِهِ (وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ إلَخْ) لَوْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ كَثَلَاثٍ حَصَلَ الْوِتْرُ وَسَقَطَ الطَّلَبُ وَامْتَنَعَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِذَا أَتَى بِثَلَاثٍ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُشْفِعَهَا وَيَأْتِيَ بِأَكْمَلِ الْوِتْرِ مَثَلًا كَانَ مُمْتَنِعًا سم وَيَأْتِي فِي
[حاشية ابن قاسم العبادي]
ظُهْرٍ سَابِقٍ حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ عَلَيْهِ لَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْضَ الظُّهْرِ بَعْدَ فَوَاتِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَقَعَ الْمَجْمُوعُ ظُهْرًا وَفِي مَسْأَلَةِ السُّنَّةِ لَا يَأْتِي بِبَعْضِ سُنَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَ فَوَاتِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا بَلْ تَمَحَّضَ الْمَأْتِيُّ بِهِ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الظُّهْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الضَّمِيرُ فِي بَعْضِهَا لِلْجُمُعَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وُجِدَ ثَمَّ بَعْضُ الْجُمُعَةِ فَقَطْ فَأَمْكَنَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهِ وَهُنَا وُجِدَ كُلُّ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الْقَبْلِيَّةَ بِقَصْدِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ بِنَاءٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ ابْتِدَاءَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِمَّا يُوهِمُ مُخَالَفَةَ مَا ذَكَرَهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا) مَا عَدَا هَذَا الْقَيْدَ مِمَّا تَقَدَّمَ مَوْجُودٌ فِي الصَّوْمِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا هَذَا فَإِثْبَاتُهُ فِي الْوِتْرِ دُونَ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَكَيْفَ سَاغَ الْفَرْقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ الْخَبَرُ) لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ أَيْضًا لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُمْ قَدْ يُثْبِتُونَهَا بِنَحْوِ مُخَالَفَةِ تَأَكُّدِ الطَّلَبِ هَذَا وَمُطْلَقُ الْكَرَاهَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ الْأَقْدَمِينَ عَلَى نَهْيٍ مَخْصُوصٍ (قَوْلُهُ: وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ فَسَبْعٌ إلَخْ) لَوْ فَعَلَ وَاحِدَةً -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute