القول الأول: ذهب أكثر الحنفية وهو القول المعتمد عندهم، والمالكية، والحنابلة، وهو قول عند الشافعية إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات دخول رمضان وخروجه، فإذا ثبت دخول رمضان لزم جميع المسلمين في جميع البلدان الصيام، وكذلك إذا ثبت خروج شهر رمضان لزمهم الإفطار؛ لعموم الأدلة الظاهرة من الكتاب والسنة، قال الإمام ابن قدامة في المغني: ((وهذا قول الليث، وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في أحدهما، وإن كان بينهما بُعدٌ كالعراق والحجاز والشام، فلكل أهل بلدٍ رؤيتهم، وهو مذهب القاسم، وسالم وإسحاق لما روى كريب، قال: قدمت الشام واستهلَّ عليَّ هلال رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة: قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنَّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نُكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [رواه مسلم، برقم ١٠٨٧]، ثم قال ابن قدامة: ((ولنا قول الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وذكر الأحاديث على وجوب صوم رمضان، ثم قال: ((وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات فوجب صومه على جميع المسلمين؛ ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين، ووقوع الطلاق، والعتاق، ووجوب النذور وغير ذلك من الأحكام، فيجب صيامه بالنص والإجماع؛ ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال فيجب الصوم، كما لو تقاربت البلدان، فأما حديث كريب فإنما دلَّ على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به ... )). [المغني لابن قدامة، ٤/ ٣٢٨ - ٣٢٩]. القول الثاني: ذهب الشافعية في الأصح عندهم وهو قول في مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: أن المعتبر اختلاف المطالع فليزم الصوم لكل من يوافق بلد الرؤية في مطلع الهلال دون من يخالفه. قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ((تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، فإن اتفقت لزم الصوم وإلا فلا، وهو الأصح للشافعية، وقول في مذهب أحمد)). [الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام بن تيمية، ص١٥٨، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ٢٥/ ١٠٣ - ١١٣]. القول الثالث: إن الناس تبع للإمام فإذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا، ولو كانت الخلافة لجميع المسلمين فرآه الناس في بلد الخليفة ثم حكم الخليفة بالثبوت لزم من تحت ولايته في مشارق الأرض ومغاربها أن يصوموا أو يفطروا مع الخليفة، وعمل الناس اليوم على هذا، وهذا قول قوي، حتى لو صححنا القول الثاني الذي يحكم فيه باعتبار اختلاف المطالع، فيجب على من رأى المسألة مبنية على اعتبار المطالع أن لا يظهر خلافاً لما عليه الناس. [وهذا قال به ابن الماجشون من المالكية كما في بداية المجتهد، ١/ ٢٨٨، وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين،، ٦/ ٣٢٢]. القول الرابع: إنه يلزم حكم الرؤية كل من أمكن وصول الخبر إليه في الليلة، وهذا يوافق مذهب الحنابلة في الوقت الحاضر؛ لأنه يمكن أن يصل الخبر إلى جميع أقطار الدنيا في أقل من دقيقة، لكن يختلف عن مذهب الحنابلة إذا كانت وسائل الاتصالات مفقودة. [الشرح الممتع لابن عثيمين، ٦/ ٣٢٣]. القول الخامس: إنه يلزم حكم الرؤية للجميع إذا رؤي بمكة، وبه قال الشيخ أحمد شاكر. [انظر: الروض المربع شرح زاد المستقنع بحاشية وتعليق المشايخ: عبد الله الطيار، والغصن، والمشيقح، ٤/ ٢٧٣]. [وعزوا إلى العلم المنشور في إثبات الشهور، ص١٣،وأوائل الشهور العربية, ص٢١]. وانظر: الموسوعة الفقهية، نشر وزارة الأوقاف الكويتيه، ٢٢/ ٣٥، مادة ((رؤية)) و٢٣/ ١٤٢، مادة ((رمضان))، و ٢٨/ ١٨].