القول الأول: قول أبي حنيفة وطائفة معه، قال: يجزي كل صوم فرضاً كان أو نفلاً بنية قبل الزوال؛ لحديث صيام يوم عاشوراء، وحديث دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة رضي الله عنها. الثاني: قول مالك وطائفة معه، قالوا: لا يجزئ الصوم إلا مبيّتاً من الليل فرضاً كان أو نفلاً على ظاهر حديث حفصة، وابن عمر المتقدم آنفاً. القول الثالث: قول أحمد والشافعي، وطائفة معهما، قالوا: لا يجزئ الفرض إلا بتبييت النية، كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر؛ لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم والنية لا تعطف على الماضي، وأما النفل فيجزئ، بنية من النهار كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني إذن صائم))، كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان - كالقيام، والاستقرار على الأرض - ما لايجب في التطوع، توسيعاً من الله على عباده في طرق التطوع؛ فإن أنواع التطوعات دائماً أوسع من أنواع المفروضات، وصومهم يوم عاشوراء: إن كان واجباً فإنما وجب عليهم من النهار؛ لأنهم لم يعلموا قبل ذلك، وما رواه بعض الخلافيين المتأخرين أن ذلك كان في رمضان: فباطل لا أصل له. قال شيخ الإسلام: ((وهذا أوسط الأقوال وهو قول: الشافعي وأحمد، واختلف قولهما: هل يجزئ التطوع بنية بعد الزوال؟ والأظهر صحته كما نقل عن الصحابة. واختلف أصحابهما في الثواب هل هو ثواب يوم كامل؟ أو من حين نواه، والمنصوص عن أحمد: أن الثواب من حين النية. وكذلك اختلفوا في التعيين، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: أحدهما: أنه لا بد من نية رمضان فلا تجزئ نية مطلقة، ولا معينة لغير رمضان، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، اختارها كثير من أصحابه. والثاني: أنه يجزئ بنية مطلقة ومعينة لغيره، كمذهب أبي حنيفة ورواية محكية عن أحمد. والثالث: أنه يجزئ بالنية المطلقة دون نية التطوع، أو القضاء، أو النذر، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه)). [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٥/ ١١٩ - ١٢١، وانظر: كتاب الصيام من شرح عمدة الأحكام، لابن تيمية أيضاً، ١/ ١٧٥ - ٢٠٦، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٣٣٨ - ٣٣٩، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٧/ ٣٩٠ - ٣٩١]. ومعنى: ((تعيين النية)) أي ينوي الصيام: عن رمضان، أو عن كفارة أو عن نذر ... )). الشرح الممتع لابن عثيمين، ٦/ ٣٦٧. وهل يحتاج إلى نيّة الفرضية في رمضان، والكفارات، والنذر؟ قال ابن قدامة في المقنع مع الشرح والإنصاف، ٧/ ٣٩٨: ((ولا يحتاج إلى نية الفرضية، وقال ابن حامد: يجب ذلك)).وقال المرداوي في الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير،٧/ ٣٩٨: ((لا يحتاج مع التعيين إلى نية الوجوب على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقال ابن حامد: يحتاج إلى ذلك)). قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، ٦/ ٣٧٠: ((لاتجب نية الفرضية، يعني لا يجب أن ينوي أنه يصوم فرضاً؛ لأن التعيين يغني عن ذلك، فإذا نوى صيام رمضان فمعلوم أن صيام رمضان فرض، وإذا نوى صيام كفارة قتل أو يمين فمعلوم أنه فرض، كما قلنا في الصلاة إذا نوى أن يصلي لا يحتاج أن ينوي أنها فريضة؛ لأنه معروف أن الظهر فريضة، وعلى هذا فنية الفريضة ليست شرطاً ... ولكن الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة يعني: ينوي رمضان على أنه قائم في فريضة؛ لأن الفرض أحب إلى الله من النفل، لكن ليس بواجب)). وانظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ١٩٧، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٣٤٠، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، ٧/ ٣٩٨ - ٣٩٩.