للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في ضربِ مئةِ سوطٍ بَرِأَ من تسعين وماتَ من عشرة، وتجب حكومةُ عدلٍ في مئةِ سوطٍ جرحتْهُ وبقي أثرها

فإن كان كلُّ واحدٍ عمداً، فإن كانَ برءٌ بينهما يقتصُّ بالقطعِ ثمَّ بالقتل، وإن لم يبرأ فكذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّ القطعَ ثمَّ القتلَ هو المثلُ صورةً ومعنى، وعندهما: يقتلُ ولا يقطع، فدخلَ جزاءُ القطعِ في جزاءِ القتل، وتحقيق هذا في أصولِ الفقهِ (١) في الأداءِ والقضاء.

وإن كان كلٌّ منهما خطأً، فإن كان بَرِءَ بينهما أُخِذَ بهما: أي يجبُ دِيَةُ القطعِ والقتل، وإن لم يبرأ بينهما كفتْ دِيَةُ القتل؛ لأنَّ ديةَ القطعِ إنَّما يجبُ عند استحكامِ أثرِ الفعل، وهو أن يُعْلَمَ عدمُ السِّراية، والفرقُ بين هذه الصُّورةِ وبين عمدين لا برء بينهما، أنَّ الدِّيَةَ مِثْلٌ غيرُ معقول، فالأصلُ عدمُ وجوبها بخلافِ القصاص؛ فإنَّهُ مِثْلٌ معقول.

وإن قطعَ عمداً ثمَّ قتلَ خطأ، سواءٌ بَرِءَ بينهما أو لم يبرأ أخذَ بالقتلِ والقطع: أي يقتصُّ للقطعِ وتؤخذُ دِيَةُ النَّفس.

وإن قطعَ خطأ ثمَّ قتلَ عمداً، سواءٌ برء بينهما أو لا، تؤخذُ الدِّيَةُ للقطع، ويقتصُّ للقتل، لاختلافِ الجنايتَيْن؛ لأنَّ أحدَهما عمد، والآخرَ خطأ.

(كما في ضربِ مئةِ سوطٍ بَرِأَ من تسعين (٢) وماتَ من عشرة)، فإنَّهُ يكتفى بدِيَةٍ واحدة؛ لأنَّهُ لَمَّا بَرِأَ من تسعين لم يبقَ معتبرةً إلا في حقِّ التَّعزير، وكذا كلُّ جراحِهِ (٣) اندملت، ولم يبقَ لها أثرٌ على أصلِ أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، وعن أبي يوسفَ - رضي الله عنه -: في مثلِهِ حكومةُ عدل، وعن محمَّدٍ - رضي الله عنه -: أجرةُ الطَّبيب، (وتجب حكومةُ عدلٍ في مئةِ سوطٍ جرحتْهُ وبقي أثرها): سيأتي في «كتابِ الدِّيات» تفسيرُ حكومةُ العدل (٤).


(١) قال الشارح في «التوضيح» (١: ٣٢٥ - ٣٢٦): والقضاء بمثل معقول، إمّا كامل كالمثلِ صورةً ومعنى، وإمّا قاصرُ كالقيمة إذا انقطعَ المثل، أو لا مثل له؛ لأنّ الحقَّ في الصورة، وقد فات للعجز، فبقي المعنى، فلا يجب القاصر إلا عند العجز عن الكامل، ففي قطعِ اليدِ ثمّ القتلُ خُيِّرَ الوليُّ بين القطع ثمّ القتل، وهو مثل كامل، وبين القتل فقط، وهو قاصر. وعندهما: لا يقطع.
(٢) يعني ضربه تسعين في موضع، وعشرة في موضع آخر فبرأ موضعُ التسعين وسرى العشرة ومات فيه. ينظر: «الكفاية» (٩: ١٨٥).
(٣) يعني مثل أن كانت شجّةٌ فالتحمت، ونبت الشعر، فإنّها لا تبقى معتبرةً لا في حقِّ الأرش، ولا في حقِّ حكومةِ عدل. ينظر: «العناية» (٩: ١٨٥).
(٤) ٤: ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>