للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أقرَّ كلٌّ من رجلَيْن بقتلِ زيد، وقال الوليُّ: قتلتماه، فله قتلُهما، ولو قامتْ بيِّنةٌ بقتلِ زيدٍ عمرو، وأخرى بقتلٍ بكرِ إيَّاه، وادَّعى الوليُّ قتلَهما لغتا، والعبرةُ لحالةِ الرَّمي لا للوصولِ فتجبُ الدِّيَةُ على مَن رمى مسلماً فارتدَّ فوصل، والقيمةُ لسيِّدِ عبدٍ رُمِيَ إليه فأعتقَهُ فوصل، والجزاءُ على محرمٍ رمى صيداً فَحَلَّ فوصلَ لا على حلالٍ رماه فأحرمَ فوصل، ولا يضمنُ مَن رمى مقضيَّاً، عليهِ برجم فرجعَ شاهدُهُ فوصل، وحلَّ صيدٌ رماهُ مسلمٌ فتمجَّس

القياسُ أن لا يجبَ شيء؛ لأنَّ حكمَ القتلِ يختلفُ باختلافِ الآلة، ووجهُ الاستحسان: أنّهم شهدُوا بمطلقِ القتل، والمطلقُ ليسَ بمجمل (١) فيثبتُ أقلُّ موجبِه وهو الدِّية، وتجبُ في مالِه؛ لأنَّ الأصلَ في القتلِ العمدِ فلا يتحمَّلُهُ العاقلة.

(وإن أقرَّ كلٌّ من رجلَيْن بقتلِ زيد، وقال الوليُّ: قتلتماه، فله قتلُهما، ولو قامتْ بيِّنةٌ بقتلِ زيدٍ عمرو، وأخرى بقتلٍ بكرِ إيَّاه، وادَّعى الوليُّ قتلَهما لغتا)؛ لأنَّ في الثَّاني تكذيبَ المشهودِ له الشَّاهدَ في بعضِ ما شهدَ له، وهذا يبطلُ شهادَتَه؛ لأنَّ التكذيبَ تفسيق، وفي الأوَّلِ تكذيبَ المُقَرِّ له المُقِرَّ في بعضِ ما أقرَّ بهِ وهو انفرادُهُ في القتل، وهذا لا يبطلُ الإقرار (٢).

(والعبرةُ لحالةِ الرَّمي لا للوصولِ فتجبُ الدِّيَةُ على مَن رمى مسلماً فارتدَّ فوصل)، هذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، وعندهما: لا يجبُ شيءٌ إذ بالارتدادِ سقطَ تقوُّمُهُ فصارَ مبرَّئاً للرَّامي عن موجبِه، كما إذا أبرأهُ بعدَ الجرحِ قبلَ الموت، له: أنَّ المرميَّ إليه حالةَ الرَّمي متقوَّم، (والقيمةُ لسيِّدِ عبدٍ رُمِيَ إليه فأعتقَهُ فوصل)، هذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - وأبي يوسفَ - رضي الله عنه -، وقال محمَّدٌ - رضي الله عنه -: فضلُ ما بينَ قيمتِهِ مرميَّاً إلى غيرِ مرمي، (والجزاءُ على محرمٍ رمى صيداً فَحَلَّ فوصلَ لا على حلالٍ رماه فأحرمَ فوصل، ولا يضمنُ مَن رمى مقضيَّاً عليه برجم فرجعَ شاهدُهُ فوصل وحلَّ صيدٌ رماهُ مسلمٌ فتمجَّس


(١) فإنّ المطلقَ ممكنُ العمل، ألا ترى أنّ اللهَ تعالى أوجبَ الكفّارةَ بتحرير رقبةٍ مطلقة، ووجبَ العملُ به، ولو كان مجملاً لَمَا وجبَ العملُ به، كذا ذكره الإمامُ الكسائيّ - رضي الله عنه -. ينظر: «الكفاية» (٩: ١٩٨ - ١٩٩).
(٢) بيانه: إنّ الإقرارَ والشهادةَ يتناولُ كلَّ واحدٍ منهما وجود كلَّ القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الإقرارِ من المُقَرِّ له، وهو الوليّ، وفي الشهادةِ من المشهودِ له، وهو الوليًّ أيضاً، غير أنّ تكذيبَ المُقَرّ له المُقِرَّ في بعض ما أقرَّ به لا يبطلُ إقراره في الباقي، وتكذيبُ المشهودِ له الشاهدَ في بعضِ ما شهدَ به يبطلُ شهادته أصلاً؛ لأنّ التكذيبَ تفسيق، وفسقُ الشاهد يمنعُ القبول، وأمّا فسقُ المقرّ لا يمنعُ صحَّة الإقرار. ينظر: «الهداية» (٤: ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>