للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

....................................................................................................................

وجوابُنا (١): إنَّ الثَّوابَ منوطٌ (٢) بالنِيَّة اتِّفاقاً، فلا بُدَّ أن يقدَّرَ الثَّواب، أو يقدَّرَ شيء يشملُ الثَّواب، نحو: حكمِ الأعمالِ بالنِيَّات، فإنَّ قُدِّرَ الثَّوابَ فظاهر، وإن قُدِّرَ الحكم، فهو نوعان: دنيويٌّ كالصِّحَّة، وأخرويُّ كالثَّواب، والآخرويٌّ مرادٌ بالإجماع.

فإن قيل: حكمُ الأعمال بالنِيَّات، ويرادُ بهِ الثَّواب، صُدِّقَ الكلام، فلا دلالةَ له على الصِّحَّة.

فإن قيل: مثلُ هذا الكلام يتأتَّى في جميعِ العبادات، فلا دلالةَ على اشتراطِ النِيَّةِ في العبادات، وذا باطل، فإنَّ المُتَمَسَّكَ في اشتراطِ النِيَّة في العبادات هذا الحديث.

قلنا: نقدَّرُ الثَّواب، لكنَّ المقصودَ في العباداتِ المحضةِ هو الثَّواب، فإذا خَلَتْ عن المقصودِ لا يكونُ لها صحَّة؛ لأنَّها لم تشرعْ إلا مع كونها عبادةٌ بخلافِ الوضوء، إذ ليسَ عبادة مقصودة، بل شُرِعَ شرطاً لجوازِ الصَّلاة، فإذا خلا (عن المقصود: أي) (٣) عن الثَّوابِ انتفى كونُهُ عبادة، لكن لا يلزمُ من هذا انتفاءُ صحَّتِه؛ إذ لا يَصْدُقُ أنَّه


(١) حاصل جوابه: أن حصول الثواب في العبادات موقوف على النية اتفاقاً حتى أن الأعمال إذا خلت عن قصد الطاعة وارادة التقرب إلى الله لا يحصل ثوابها سواء كان من قبيل الوسائل كالوضوء والتيمم أو العبادات المحضة، فلا بدَّ ان يحذف الثواب في هذا الحديث، ويقال معناه: ثواب الأعمال ليس إلا بالنية أو يحذف شيء يشمل الثواب وغيره كالحكم، فإنه يشمل: الثواب وهو الحكم الأخروي، والصحة وهو الحكم الدنيوي، ويقال معناه: إنما حكم الأعمال بالنيات، فإن قدر الثواب فظاهرٌ لا دلالة للحديث المذكور على اشتراط النية بصحة العبادات، بل إنما يدل على اشتراطها؛ لحصول الثواب، وهو خلاف ما أراده الشافعي، وعين ما أردناه، وإن قدر الحكم فهو وإن كان بظاهره يفيد توقف الصحة على النية إلا أنا نقول الحكم نوعان: دنيوي، وهو الصحة والفساد، وأخروي كالثواب والعقاب، والأخروي مراد في هذا الحديث بالاجماع، فإنهم أجمعوا على أنه لا ثواب إلا بالنية، فإذا قيل: حكم الأعمال بالنيات، وأريد به الثواب صح هذا الكلام من غير ضرورة إلى أن يحمل على العموم، ويجعل شاملاً للصحة فلا يحمل الحكم على المعنى الأعم لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، والاحتياج إلى حذف الثواب أو ما يعمّه إنما وقع لعدم استقامة ظاهر الحديث المقتضي لنفي وجود الأعمال بدون النية، فلما اندفع ذلك بإرادة الثواب، فلا يراد غيره. ينظر: «عمدة الرعاية» (١: ٦٥).
(٢) منوط: ناط الشئ: أي علَّقه. ينظر: «مختار» (ص ٦٨٥).
(٣) زيادة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>