للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا رِدَّتُه. وندبَ لراجيه أن يؤخِّر صلاتَهُ إلى آخرَ الوقت

ثمَّ إنَّما تثبتُ القدرةُ إذا لم يكنْ مصروفاً إلى جهةٍ أهم، حتى إذا كان على بدنِه أو ثوبِهِ نجاسةٌ يصرفُهُ إلى النَّجاسة، ثمَّ القدرةُ تثبتُ: بطريقِ الإباحة، وبطريقِ التَّمليك (١).

فإن قال صاحبُ الماءِ لجماعةٍ من المتيمِّمين: ليتوضَّأ بهذا الماءِ أيُّكم شاء، والماءُ يكفي لكلِّ واحدٍ منفرداً، ينتقضُ تيمُّمُ كلُّ واحد، فإذا توضَّأ بهِ واحدٌ يعيدُ الباقونَ تيمُّمَهم؛ لثبوتِ القدرةِ لكلِّ واحدٍ على الانفراد.

وأمَّا إذا قال: هذا الماءُ لكم، وقبضوا، لا ينتقضُ تيمُّمُهم، أمَّا عندهما؛ فلأنَّ هبةَ المشاعِ يوجبُ الملكَ على سبيلِ الاشتراك، فيملكُ كلَّ واحدٍ مقداراً لا يكفيه، وأمَّا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ فالأصحُّ (٢) أنَّهُ يبقى على ملكِ الواهب، ولم تثبتْ الإباحة؛ لأنه لمَّا بطلَ الهبةُ بطلَ ما في ضمنِه من الإباحة، ثمَّ إن أباحوا واحداً بعينِهِ ينتقضُ تيمُّمُهُ عندهما لا عنده؛ لأنَّهُ لمَّا لم يملكُوهُ لا يصحُّ إباحتهم.

(لا رِدَّتُه) حتى إذا تيمَّمَ المسلمُ ثم ارتدّ، نعوذُ باللهِ تعالى منه، ثمَّ أسلمَ تصحُّ صلاتُهُ بذلك التَّيمُّم (٣).

(وندبَ لراجيه): أي لراجي (٤) الماء، (أن يؤخِّر صلاتَهُ إلى آخرَ الوقت)، فلو صلَّى بالتَّيمُّمِ في أوَّلِ الوقت، ثمَّ وجدَ الماءَ والوقتُ باقٍ لا يعيدُ الصَّلاة.


(١) الفرق بينهما: أن المُمَلَّكَ له يدخل في ملكه ذلك الشيء، وتترتب عليه آثاره، فيقدر على بيعه، وهبته، وسائر الانتقالات، وغير ذلك مما يجوز للإنسان أن يفعله في ملكه، وأما المباح له فلا يملك إلا الانتفاع بذلك الشيء الذي أبيح له ولا يملك التصرف فيه كتصرف الرجل في ملكه. ينظر: «السعاية» (ص ٥٥١).
(٢) لأن فيها رواية عن عصام أنها تفيد الملك، وبه أخذ بعض المشايخ. قال خير الدين الرملي: ومع افادتها للملك عند هذا البعض أجمع الكل على أن للواهب استردادها من الموهوب له، ولو كان ذا رحم محرم من الواهب. كذا في «الفتاوى الخيرية لنفع البرية» (٢: ١١٢) لخير الدين الرملي.
(٣) لأن الحاصل بالتيمم صفة الطهارة والكفر لا ينافيها كالوضوء، والردة تبطل ثواب العمل لا زوال الحدث. ينظر: «رد المحتار» (١: ١٧٠).
(٤) المراد بالرجاء غلبة الظن، فإن كان لا يرجوه لا يؤخر الصلاة عن أول الوقت؛ لأن فائدة الانتظار احتمال وجدان الماء، فيؤديها بأكمل الطهارتين. ينظر: «البحر» (١: ١٦٣ - ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>