للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخرجْتَ من ملكي، وخليَّتُ سبيلَك، ولأمتِه: قد أطلقتُك. وبهذا ابني للأصغرِ والأكبر، لا بيا ابني ويا أخي، ولا سلطانَ لي عليك

(وخرجْتَ من ملكي، وخليَّتُ سبيلَك، ولأمتِه: قد أطلقتُك (١).

وبهذا ابني للأصغرِ والأكبر)؛ وإنِّما جاءَ بلفظِ الباء في قولِهِ: وبهذا ابني؛ ليُعْلَمَ أنَّه عطفٌ على قولِهِ: وبكنايتِه، ولو لم يذكرْ حرفَ الباء، أوهمَ أنَّهُ عطفٌ على أمثلةِ الكناية نحو: لا ملكَ لي عليك … إلى آخره، فيلزمُ حينئذٍ أنَّه كنايةٌ، وليس كذلك.

فإنَّ المُقِرَّ له إن كان يولَدُ مثلُهُ لمثلِه، وهو مجهولُ النَّسبِ يثبتُ نسبُهُ منه، ويكونُ حرَّاً، وإن لم ينو، وإن لم يكن كذلك يكونُ هذا اللفظُ مجازاً عن الحريَّة فيعتق، وإن لم ينو؛ لأنَّ المجازَ متعيِّن، ولو كان كنايةً يحتاجُ الى النِّيَّة، وفي الأكبرِ سِنَّاً منه خلافُ أبي يوسف - رضي الله عنه - ومحمَّد - رضي الله عنه -.

وقد بالغتُ في تحقيقِ هذه المسألةِ في (فصل المجاز) من كتاب «التنقيح» (٢)، وحاصلُهُ: أن إمكانَ المعنى الحقيقيّ لا يشترطُ لصحَّةِ المجاز، كإطلاقِ الأسدِ على الإنسان الشُّجاع، فلا يشترطُ إمكانُ البنوةِ لصحَّةِ المجاز، وهو الحريَّة.

(لا بيا ابني ويا أخي) (٣)؛ لأنَّ المقصودَ بالنِّداءِ استحضارُ المُنادى بصورةِ الاسمِ من غيرِ قصدٍ إلى المعنى، وإذا لم يكن المعنى مقصوداً لا يثبتُ مجازُه، وهو الحريَّةُ بخلافِ يا حرّ، لأنَّه صريح، فلا يحتاجُ إلى قصدِ المعنى.

(ولا سلطانَ لي عليك) (٤): أي لا يدَ لي عليك فيمكنُ أن يكون عبداً، ولا يكونُ له (٥) عليه يدٌ كالمكاتَب (٦).


(١) لأن كل لفظ من هذا يحتمل وجهين فقوله: خرجت من ملكي؛ يحتمل بالبيع وبالعتق، ولا سبيل لي عليك لأنك وفَّيت بالخدمة فلا سبيل لي عليك باللَّوم والعقوبة، ويحتمل لأنك معتق، وكذا إذا قال لأمته: قد أطلقتك ونوى العتق عتقت؛ لأن الإطلاق يقتضي زوال اليد وقد نزل يده عنها بالعتق وغيره وهو مثل خليت سبيلك. ينظر: «الجوهرة النيرة» (٢: ٩٦).
(٢) ينظر: «التنقيح» وشرحه «التوضيح» (١: ١٥٢)، و «كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» (٢: ٧٨)، و «التقرير والتحبير» (٢: ٣٣)، و «حاشية العطار» (١: ٤٠٧)، وغيرها.
(٣) أي بدون نية. ينظر: «رد المحتار» (٣: ٨).
(٤) ولو نوى، ومال بعض المشايخ إلى أنه يعتق بالنية ورجَّحه الكمال في «الفتح» (٤: ٤٣٦)، وأقرَّه صاحب «البحر» (٤: ٢٤٦)، و «الشرنبلالية» (٢: ٣)، و «الدر المختار» (٣: ٨)، وغيرهم.
(٥) زيادة من م.
(٦) لأن السلطان عبارة عن الحجة واليد، ونفي كل منهما لا يستدعي نفي الملك كالمكاتب يثبت للمولى فيه الملك دون اليد. ينظر: «رد المحتار» (٣: ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>