للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقُبِلَتْ في طلاقِ إحدى نسائِه لشرطيَّةِ الدَّعوى في عتقِ العبدِ عند أبي حنيفة - رضي الله عنه -

المرض، وأداءُ الشَّهادةِ في مرضِ موتِه (١) أو بعد الوفاةِ تقبلُ استحساناً؛ لأنَّ التَّدبيرَ والعتقَ المذكورَ وصيَّة، والخصم: أي المدَّعي في إثباتِ الوصيَّة إنِّما هي الموصي؛ لأنَّ نفعَهُ يعودُ إليه، وهو معلوم، وله خَلَفٌ، وهو الوصيّ أو الوارث؛ ولأنَّ العتقَ يشيعُ بالموت، فيكونُ كلُّ واحدٍ من العبدين خصماً متعيِّناً (٢).

أقول: الدَّليلُ الأَوَّلُ مشكل؛ لأنَّ المتنازعَ فيه ما إذا أنكرَ المولى تدبيرَ أحدِ عبديه، أو الوارثُ ينكرُ ذلك بعد موتِ المورِّث، والعبدانِ يريدانِ إثباتَه، فكيف يقال: إن المدَّعيَ هو الموصي، أو نائبُه (٣).

والدَّليلُ الثَّاني (أيضاً مشكل) (٤)؛ لأنَّه يوجبُ أنَّ الشَّهادةَ بعتقِ أحدِ عبديهِ بغيرِ وصيَّةٍ إن أُقيمت بعد الموتِ تقبلُ لشيوعِ العتقِ بالموت (٥).

(وقُبِلَتْ في طلاقِ إحدى نسائِه لشرطيَّةِ الدَّعوى في عتقِ العبدِ عند أبي حنيفة - رضي الله عنه -


(١) حقَّق هذه المسألة الشرنبلالي في رسالة خاصة سمَّاها «إصابة الغرض الأهم في العتق المبهم» اعترض فيها على صاحب «الهداية» وشرّاحها، وأيَّده فيما ذهب إليه ابن عابدين في «رد المحتار» (٣: ٢٤)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (٢: ٢١٤)، وخلص إلى أن الشهادة على أنه أعتق أحدهما في المرض أو دبر أحدهما في الصحة أو في المرض لا تقبل حال حياة المولى بل بعد موته.
(٢) هذه الحجة ذكرها صاحب «الهداية» (٢: ٦٣).
(٣) أجاب عن هذا الإشكال ملا خسرو في «درر الحكام» (٢: ١٣): بأن مقتضى القياس أن تلغو هذه الشهادة أيضا؛ لجهالة المدعي لكنها تقبل استحساناً؛ لوجود المدعي تقديراً ومدعى عليه تحقيقا؛ لأن هذا وصية، والخصم في الوصية هو الموصي؛ لأن نفعه يعود إليه فيكون مدعياً تقديراً، وعنه خلف يقوم مقامه في المخاصمات وغيرها وهو الوصي أو الوارث فيكون كل منهما مدعى عليه تحقيقاً، فكأنّ الموصي ادَّعى على أحدهما حقه، وأقام الشاهدين فيكون الموصي مدعيا من وجه ومدعى عليه من آخر. ولكن اللكنوي في «عمدة الرعاية» (١: ٢١٥) ردّ هذا وانتصر للشارح.
(٤) زيادة من ب و م.
(٥) قال ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق ٦٨/ب): عن «المحيط»: إنه لو شهدا بعد موت المولى أنه قال في صحته وحياته: أحدكما حرّ فلا رواية فيه، واختلفوا على قول الامام، فعلى طريق الوصية لم تقبل يعني لإنعدامها؛ لوقوع كلامه في صحّته، وعلى طريق الشيوع تقبل والصحيح أنه تقبلُ لجواز أن يكون الحكمُ معلولاً بعلتين فيعدى بأحدهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>