للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صامَ ثلاثةَ أيَّام ولاء، ولم يجزْ بلا حنث، ومَن حلفَ على معصيةٍ كعدمِ الكلامِ مع أبويهِ حنثَ وكفَّر. ولا كفّارةَ في حلفِ كافر، وإن حنثَ مسلماً.

عن الأشياءِ الثَّلاثة وقت إرادة الأداء (صامَ ثلاثةَ أيَّام ولاء، ولم يجزْ بلا حنث)، التَّكفير قبل الحنثِ لا يجوزُ عندنا حتّى لو كَفَّرَ قبل الحنث، ثُمَّ حنثَ تَجِبَ الكفارةُ خلافاً للشَّافِعِيِّ (١) - رضي الله عنه -، فعنده اليمينُ سببُ الكفارة، والحنثُ شرطُ وجوبِ الأداء، فيجوزُ التَّقديمُ عليه.

وعندنا: الحنثُ سببٌ؛ لأنَّ اليمينَ انعقدَتْ للبرّ، والكفارةُ على تقديرِ الحنثِ فلا يكونُ اليمينُ سبباً لها، فالحنثُ سبب، واليمينُ شرط، فلا يتقدَّم على الحنث، وخلافُ الشَّافِعِيِّ (٢) - رضي الله عنه - في الكفارةِ الماليَّة، فإنَّهُ يمكنُ أن يثبتَ نفسُ الوجوبِ لا وجوب الأداء كما في الثَّمن، فنفسُ وجوبِهِ يتعلَّقُ بالمال ووجوبُ الأداءِ بالفعل (٣).

قلنا: المالُ غيرُ مقصودٍ في حقوقِ اللهِ تعالى، فالكفارةُ الماليَّة وغيرُ الماليَّة على السَّواء، على أنّ نفسَ الوجوبِ ينفكُّ عن وجوبِ الأداء في العباداتِ البدنيَّة، فنفسُ الوجوبُ يتعلَّقُ بالهيئةِ الحاصلةِ للعبادات، ووجوب الأداءِ يتعلَّقُ بإيقاعِ تلك الهيئة على ما حقَّقناهُ في «شرح التَّنقيح» (٤).

(ومَن حلفَ على معصيةٍ كعدمِ الكلامِ مع أبويهِ حنثَ وكفَّر.

ولا كفّارةَ في حلفِ كافر، وإن حنثَ مسلماً.


(١) ينظر: «الأم» (٧: ٦٦)، و «تحفة المحتاج» (١٠: ١٥)، و «نهاية المحتاج» (٨: ١٨١)، وغيرها.
(٢) أي خلاف الشافعي - رضي الله عنه - السابق في الكفّارة بالمال؛ لأن مَن يكفّر بالصوم لم يجز حتى يحنث، أما إن كفر بالمال فالأولى أن لا يكفّر حتى يحنث فإن كفّر قبل أن يحنث جاز. ينظر: «التنبيه» (١: ١٢٥)، و «فتوحات الوهاب» (٥: ٢٩٦) وغيرهما.
(٣) الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء: أن الأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء، والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بدّ له من سبق حق في ذمته، فإذا اشترى شيئا يثبت الثمن في الذمة، فثبوت الثمن في الذمة نفس الوجوب. أما لزوم الأداء فعند المطالبة بناءً على أصل الوجوب، وأيضاً واجب على المغمى عليه والنائم والمريض والمسافر ولا أداء عليهم لعدم الخطاب، أما في الأولين فلأن خطاب من لا يفهم لغو، وأما في الأخيرين فلأنهما مخاطبان بالصوم في أيام أخر. ينظر: «التوضيح» (١: ٣٩٢).
(٤) شرح التنقيح» (١: ٢٨٤) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>