للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَن نذرَ مطلقاً، أو معلَّقاً بشرطٍ يريدُهُ كإن قَدِمَ غائبي، فوُجِدَ وَفَّى، وبما لم يردْهُ كإن زنيت وَفَّى أو كَفَّرَ، هو الصَّحيح، ومَن وصلَ إن شاءَ الله تعالى بحلفِهِ بطل

فهو إيجابُ المباح، وإن كان على عدميّ، فهو تحريمُ الحلال (١).

(ومَن نذرَ مطلقاً): أي غيرُ معلَّقٍ بشرطٍ، نحو: للهِ عليَّ صومُ هذا اليوم، (أو معلَّقاً بشرطٍ يريدُهُ كإن قَدِمَ غائبي، فوُجِدَ وَفَّى، وبما لم يردْهُ كإن زنيت (٢) وَفَّى أو كَفَّرَ، هو الصَّحيح) (٣) إنِّما قال هذا؛ احتزازاً عن القولِ الآخر، وهو وجوبُ الوفاءِ سواءٌ علَّقَهُ بشرطٍ يريدُه أو لا يريدُه، وإنِّما كان هذا صحيحاً؛ لأنَّه إذا علَّقه بشرطٍ لا يريدُه، ففيه معنى اليمين، وهو المنع، لكنَّه بظاهره نذر، فيتخيَّر (٤).

أقول: إن كان الشَّرطُ أمراً حراماً كإن زنيت مثلاً، ينبغي أن لا يتخيَّر؛ لأنَّ التَّخييرَ تخفيف، والحرامُ لا يوجبُ التَّخفيف (٥).

(ومَن وصلَ إن شاءَ الله تعالى بحلفِهِ بطل) (٦). (والله تعالى أعلم بالصواب) (٧).


(١) أي إن اليمين إن كان على فعلٍ مباح كأن يقول: والله لأتصدقنَّ في هذا اليوم، فهو متضمن لإيجاب المباح؛ لأنه كان في سعة من تركه قبل اليمين، فأوجبه باليمين، وإن كان على عدميٍّ، نحو: والله لا أذهب إلى الموضع الفلاني، فهو متضمن لتحريم الحلال؛ لأن قبل اليمين كان هو في سعة من فعله، فمنعه بمينه، ومن المعلوم أن إيجاب المباح يتضمن أيضاً تحريم الحلال، وبالجملة فكل يمين لا يخلو عن تحريم الحلال. ينظر: «عمدة الرعاية» (٢: ٢٤٠).
(٢) أي كإن زنيت فعليّ كذا.
(٣) التخيير هو رواية النوادر، ولكنّه صح رجوع الإمام قبل وفاته بسبعة أيام عما نقل عنه في ظاهر الرواية من وجوب الوفاء، سواءٌ علقه بشرط يريده أو بشرط لا يريده، وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد، وهو اختيار السرخسي في «المبسوط» (٨: ١٣٦) لكثرة البلوى في زماننا، وقال صاحب «الدرر» (٢: ٤٣): وبه يفتى، وفي «التنوير» (٣: ٦٩): وهو المذهب. وقال صاحب «مجمع الأنهر» (١: ٥٤٨): وفي أكثر المعتبرات هذا هو المذهب الصحيح المفتى به.
(٤) أي فيتخيَّر بين الوفاء والكفّارة. ينظر: «الدر المنتقى» (١: ٥٤٨).
(٥) ما اختاره الشارح ردّه صاحب «الدرر» (١: ٤٣) بقوله: ليس الموجب للتخفيف هو الحرام بل وجود دليل التخفيف؛ لأن اللفظ لما كان نذراً من وجه ويميناً من وجه لزم أن يعمل بمقتضى الوجهين ولم يجز اهدار أحدهما فلزم التخيير الموجب للتخفيف بالضرورة. وأقرَّه ابن عابدين في «رد المحتار» (٣: ٦٩)، وأيضاً رد كلام الشارح ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق ٧١/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (٢: ٢٤١).
(٦) بأن قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، فلا ينعقد: أي لا يحنث أصلاً فلا يكون يميناً. ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص ١٤٤).
(٧) زيادة من ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>