للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي: ليأتيَّن مكَّة ولم يأتِها لا يحنثُ إلاَّ في آخرِ حياتِه، وحنثَ في ليأتينَّهُ غداً إن استطاعَ إن لم يأتِه بلا مانعٍ كمرض أو سلطان، ودُيِّنَ بنيَّةِ الحقيقية، وشُرِطَ للبرّ في لا يخرجُ إلاَّ بإذنِه لكلِّ خروجٍ إذن، لا في إلاَّ إن أَذِن

مثلُ لا يخرجُ إلى مكَّة، وعند البعض: هو مثلُ لا يأتي (١)، والأوَّلُ أصحّ (٢)؛ لقولِهِ تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} (٣)، أي متوَّجِّهٌ إليه، وأمَّا الوصولُ فليس في وسعِه.

(وفي: ليأتيَّن مكَّة ولم يأتِها لا يحنثُ إلاَّ في آخرِ حياتِه)؛ لأنَّه حينئذٍ يتحقَّقُ عدمُ الإتيان (٤).

(وحنثَ في ليأتينَّهُ غداً إن استطاعَ إن لم يأتِه بلا مانعٍ كمرض أو سلطان، ودُيِّنَ بنيَّةِ الحقيقية): أي إن قال: عنيت الاستطاعةَ الحقيقيَّة (٥): وهي القدرةُ التَّامة التَّي يجبُ عندها صدورُ الفعل، فهي لا تكون إلاَّ مقارنةً للفعلِ يصدَّقُ ديانةً لا قضاء؛ لأنَّها تطلقُ في العرفِ على سلامةِ الأسبابِ والآلات، فالمعنى الآخرُ خلافُ الظَّاهر، فلا يصدَّقُ قضاء.

(وشُرِطَ للبرّ في لا يخرجُ إلاَّ بإذنِه لكلِّ خروجٍ إذن)؛ لأنَّ تقديرَه: لا يخرج إلاَّ خروجاً ملصقاً بإذنِه، فالمستثنى هو الخروجُ الملصق بالإذن (٦)، فما سواهُ بقي في صدرِ الكلام.

(لا في إلاَّ إن أَذِن): أي إن قال: لا يخرجُ إلاَّ أن يأَذن، لا يشترطُ لكلِّ خروجٍ


(١) فيشترط فيه الوصول، وصححه قاضي خان في «فتاواه»، وصاحب «الخلاصة». ينظر: «رد المحتار» (٣: ٨٠).
(٢) وهو ما قاله صاحب «الهداية» (٢: ٧٨)، ومشى عليه أصحاب المتون، كالمصنف، وصاحب «الكنْز» (ص ٧١)، و «التنوير» (٣: ٨٠).
(٣) من سورة الصافات، الآية (٩٩).
(٤) لأن البر قبل الموت مرجو، لأن الحالف ما دام حياً مرجوّ وجود البرّ، وهو الاتيان فلا يحنث، فإن فقد تعذر شرط البر، وتحقق شرط الحنث، وهو ترك الاتيان، فيحنث في آخر جزء من أجزاء حياته. ينظر: «البناية» (٥: ٢١٨).
(٥) وهي القدرة الحقيقية التي يحدثها الله تعالى للعبد حال قصد اكتسابه الفعل، بعد سلامة الأسباب والآلات ولا تكون إلا مقارنة للفعل. ينظر: «فتح باب العناية» (٢: ٢٦٦).
(٦) لأن الباء للإلصاق فكل خروج لا يكون كذلك كان داخلاً في اليمين وصار شرطاً للحنث، والحيلة في ذلك ان يقول لها: كلما أردت الخروج فقد أذنت لك، فإن قال ذلك ثم نهاها لم يعمل نهيه عند أبي يوسف خلافاً لمحمد. ينظر: «رمز الحقائق» (١: ٥٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>