للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - يزولُ بنفسِ القول، وعند محمَّد - رضي الله عنه - تسليمُهُ إلى المتولِّي، وقبضُهُ شرط، فصحَّ وقفُ المشاع، وجَعْلُ غلَّةِ الوقف، أو الولايةِ لنفسِه، وشرط أن يستبدلَ به أرضاً أخرى إذا شاءَ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - خاصّة

وسطَ دارِهِ مسجداً، وأُذِنَ بالصَّلاة فيه لا يصيرُ مسجداً؛ لعدمِ إفرازِ الطَّريق.

(وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - يزولُ بنفسِ القول): أي يزولُ ملكُ الواقفِ عن الوقفِ بنفسِ القول.

(وعند محمَّد - رضي الله عنه - تسليمُهُ إلى المتولِّي، وقبضُهُ شرط): ثُمَّ ذَكَرَ فروعَ هذا الاختلاف، فقال:

(فصحَّ وقفُ المشاع): المشاع إن لم يحتمل القسمة: ففي المسجد والمقبرة لا يجوزُ الوقفُ عند أبي يوسف - رضي الله عنه - أيضاً، وفي غيرِهما يجوزُ الوقفُ عند محمَّد - رضي الله عنه - أيضاً.

وإن احتملَ القسمة، فهو محلُّ الاختلاف: فيصحُّ عند أبي يوسف - رضي الله عنه - لا عند محمَّد - رضي الله عنه -، ويفتى بقولِ أبي يوسف - رضي الله عنه -.

(وجَعْلُ غلَّةِ الوقف، أو الولايةِ لنفسِه، وشرط أن يستبدلَ به أرضاً أخرى إذا شاءَ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - خاصّة): فإنَّ شرطَ الاستبدالِ لا يمنعُ صحَّة الوقفِ عند أبي يوسف - رضي الله عنه - إذ لا منافاةَ بين صحَّةِ الوقفِ وبين الاستبدالِ عنده، فإنَّه يجوِّزُ الاستبدالُ في الوقفِ من غيرِ شرطٍ (١)

إذا ضعفت الأرضُ عن الرَّيع، ونحن لا نفتي به، وقد شاهدنا في


(١) ذكرَ في «الأشباه» (ص ٢٢٥): لا يجوزُ استبدالُ الوقف العامرِ إلاَّ في أربع:
الأولى: لو شرطَ الواقف.

الثّانية: إذا غصبه غاصب، وأجرى عليه الماءَ حتى صارَ بحراً فيضمنُ القيمةَ ويشتري المتولّي بها أرضاً بدلاً.
الثالثة: أن يجحدَه الغاصب، ولا بيّنة، وأرادَ دفعَ القيمة، فللمتولّي أخذُها ليشتريَ بها بدلاً.
الرَّابعة: أن يرغبَ إنسانٌ فيه ببدلٍ هو أكثرُ غلّة وأحسن وصفاً، فيجوزُ على قولِ أبي يوسف - رضي الله عنه - وعليه الفتوى، كما في «فتاوى قارئ الهداية». اهـ.
وقال صاحبُ «النِّهر» في كتابه: «إجابة السَّائل» قولُ «قارئ الهداية»: العملُ على قولِ أبي يوسفِ - رضي الله عنه - معارضٌ بما قاله صدرُ الشَّريعة، ونحن لا نفتي به على تقديره، فقد قال في «الإسعاف» (ص ٣٢): المرادُ بالقاضي هو قاضي الجنّة للتَّفسير بذي العلم والعمل. اهـ ولعمري هذا أعزُّ من الكبريتِ الأحمر، وما أراه إلاَّ لفظاً يذكر، فالأحرى فيه السدُّ خوفاً من مجاوزة الحدّ. انتهى.
وفي «الفتح» (٥: ٤٤٠): الاستبدالُ إمّا عن شرطِهِ أو لا عن شرطِه، فإن كان لخروجِ الوقفِ عن انتفاعِ الموقفِ عليهم، فينبغي أن لا يختلفَ فيه، وإن كان لا كذلك، بل اتّفق أنّه أمكنَ أن يؤخذ بثمنه ما هو خيرٌ منه مع كونِهِ منتفعاً به، فينبغي أن لا يجوز؛ لأنَّ الواجبَ إبقاءُ الوقفِ على ما كان عليه دون زيادة؛ ولأنّه لا موجبَ لتجويزِه؛ لأنَّ الموجبَ في الأوَّل الشَّرط، وفي الثاني الضَّرورة، ولا ضرورةَ في هذا، إذ لا تجبُ الزِّيادة، بل يبقيه كما كان. ينظر: «العمدة» (٢: ٤١٠). وللوقوف على تفصيل الكلام في مسألة الاستبدال ينظر: «أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية» (٢: ٩ - ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>