للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند عدمِ بَيِّنَةِ المشتري على العيبِ عنده يَحْلِفُ البائعُ عندهما أَنَّهُ ما يعلمُ أنَّهُ أَبِقَ عنده، واختلفوا على قولِ أبي حنيفة - رضي الله عنه -، ولو قال البائعُ بعد التَّقابض: بعتُك هذا المعيبَ مع آخر، فقال المشتري: بل هذا وحده، فالقولُ له

قلت: كلمةُ قطٍّ تنافي هذا المعنى؛ لأنَّها موضوعةٌ لعمومِ السَّلبِ في الماضي، وذلك المعنى هو سلبُ العموم.

(وعند عدمِ بَيِّنَةِ المشتري على العيبِ عنده يَحْلِفُ البائعُ عندهما أَنَّهُ ما يعلمُ أنَّهُ أَبِقَ عنده، واختلفوا على قولِ أبي حنيفة - رضي الله عنه -)، قدْ ذكرَ أن المشتري أقامَ بَيِّنَةً أَوَّلاً أنَّهُ أَبِقَ عنده، فإن لم يكن له بيِّنةٌ يَحْلِفُ بائعُهُ عندهما بأنَّك ما تعلمُ أنَّه أَبِقَ عند المشتري؛ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّنَةُ على المدَّعي، واليمينُ على مَن أنكرَ» (١)، فكلُّ شيءٍ يَثْبُتُ بالبَيِّنَةِ فعند العجزِ عنها يتوجَّهُ اليمينُ على المنكر.

واختلفَ المشايخ - رضي الله عنهم - على قولِ أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، ووجْهُ عدمِ الاستحلافِ أنَّ اليمينَ لا يتوَجَّهُ إلاَّ على الخصم، ولا يصير خصماً إلاَّ بعد قيامِ العيبِ عنده، فلا يُمكنُ إثباتُ هذا بالحلف؛ لأنَّه دورٌ (٢)، أمَّا البيِّنةُ فقد تقامُ ليصيرَ خصماً، لكن لا يَحْلِفُ ليصيرَ خصماً.

والفرقُ أن وجوبَ الحلفِ ضَرَرٌ، فإذا لم يكن خصماً فلا وجهَ لإلزامِ الضَّرَرِ عليه بخلاف إقامةِ البَيِّنَةِ إذ المدَّعي مختارٌ في إقامةِ البيِّنة، فهي أهونُ من إلزامَ الضَرَرِ عليه، فجعلَ إقامةَ البيِّنةِ طريقاً لإثباتِ كونِهِ خصماً لا التَّحليف.

(ولو قال البائعُ بعد التَّقابض: بعتُك هذا المعيبَ مع آخر، فقال المشتري: بل هذا وحده، فالقولُ له) (٣): أي إذا ظهرَ في المبيعِ بعد التَّقابضِ عيبٌ فيردُّهُ المشتري ويطلبُ الثَّمن، فيقولُ البائعُ: هذا الثَّمنُ مقابلٌ بهذا الشَّيءِ مع شيءٍ آخر، ويقولُ المشتري: بل هو مقابلٌ بهذا الشَّيءِ وحدَه، فالقولُ له مع اليمين؛ لأنَّ الاختلافَ وقعَ


(١) سبق تخريجه (٢: ٤٠).
(٢) لأنَّ تحقّقَ اليمينِ في هذه الصورةِ موقوفٌ على كونِهِ خصماً، وكونه خصماً موقوفٌ على تحقُّقِ العيبِ عنده، وتحقُّقِ العيب عنده موقوفٌ على اليمينِ بشرطِ النُّكولِ فيكونُ دوراً، فإنَّ الدَّورَ هو توقّف الشيء على ما يتوقّف على ذلك الشيء. ينظر: «الزبدة» (٣: ٣٣٣).
(٣) صورتها: أن من اشترى جارية وقبض فوجدَ بها عيباً فقال البائع: بعتك هذه وأخرى معها، وقال المشتري بعتنيها وحدها، فالقول قول المشتري؛ لأن الاختلاف في مقدار المقبوض فيكون القول للقابض. ينظر: «الهداية» (٣: ٣٩ - ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>