للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

....................................................................................................................

وَالرَّيْبَةِ» (١). وأمّا الدَّرَاهمُ والدَّنانيرُ فغيرُ متعيِّنةٍ في العقدِ، ولو كانت فيه متعيِّنةً كانت فيها شُبْهةُ الخبثِ بسببِ الفساد، فعند عدم التَّعيينِ يكونُ في تعلُّقِ العقدِ بها شبهة، فيكون فيها شبهةُ الشُّبْهةِ، ولا اعتبارَ لها، هذا في الخبثِ بسببِ فسادِ الملك.

أمَّا الخبثُ بسببِ عدم الملكِ فيشملُ النَّوعينِ هذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، يعني: إن رَبِحَ في المغصوبِ لا يَطِيبُ سواءٌ كان المغصوبُ ممَّا يتعيَّنُ كالجاريةِ مثلاً، أو ممَّا لا يتعيَّنُ كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، حتى إن باعَ الدَّراهمَ أو الدَّنانير المغصوبةَ، وحصلَ فيها ربحٌ لا يكون طيباً؛ لأنَّ في الأوَّلِ حقيقةَ الخبث، وفي الثَّاني شبهةَ، والشُّبهةُ ملحقةٌ بالحقيقة.

(كما طابَ ربحُ ما ادَّعاهُ فقضي بالمالِ، ثم ظهرَ عدمُهُ بالتَّصادق): أي ادَّعَى على رجلٍ مالاً فقضاهُ، فرَبِحَ فيه المُدَّعي، ثمَّ تصادقا على أن هذا المالَ لم يكن على المُدَّعَى عليه، فالرِّبحُ طيّبٌ؛ لأنَّ المالَ المقضي به بَدَلُ الدَّينِ الذي هو حقُّ المُدَّعي، والمُدَّعي باعَ دينَه بما أخذ، فإذا تصادقا على عدمِ الدَّينِ صارَ كأنَّه استحقَّ مِلْكَ البائعِ، وبَدَلُ المستحقِّ مملوكٌ ملكاً فاسداً، فيكونُ البيعُ في حقِّ البدلِ بيعاً فاسداً، فلا يؤثِّرُ الخبثُ فيما لا يتعيَّنُ بالتَّعيين.

فإن قيل: ذكرَ في «الهداية» في المسألةِ السَّابقة: ثُمَّ إذا كانت دراهمُ الثَّمنِ قائمةً يأخذُها بعينها؛ لأنَّها تتعيَّنُ بالتَّعيين في البيع الفاسد، وهو الأصحُّ؛ لأنَّه بمَنْزلةِ الغصب (٢). فهذا يُناقضُ ما قُلْتُم من عدمِ تعيين الدَّراهم والدَّنانير.

قلنا: يمكنُ التَّوفيقُ بينهما بأنّ لهذا العقدِ شبهتين:

شبهةُ الغصب.

وشبهة البيع.

فإذا كانت قائمةً اعتبرَ شبهةُ الغصبِ سعياً في رفعِ العقدِ الفاسد، وإذا لم تكنْ قائمةً فاشترى بها شيئاً، يعتبرُ شبهةُ البيع، حتى لا يسري الفسادُ إلى بدلِهِ كما ذكرنا من


(١) هو عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ قال: «إن آخرَ ما نَزل من القرآن آية الربا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض ولم يفسِّرها فدعوا الربا والريبة» في «مسند أحمد» (١: ٣٦،٤٩)، و «سنن ابن ماجه» (٢: ٧٦٤)، قال الكناني في «مصباح الزجاجة» (٣: ٣٥): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
(٢) انتهى من «الهداية» (٣: ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>