للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كفلا بشيءٍ عن رجلٍ، وكفلَ كلٌّ به عن صاحبِهِ رَجَعَ عليه بنصف ما أدَّى وإن قلَّ، وإن أبرأَ الطَّالبُ أحدَهما أخذَ الآخرَ بكلِّه

وقوعَ المؤدَّى عمَّا عليه أصالةً أولى من وقوعِهِ عمَّا عليه كفالة.

(ولو كفلا بشيءٍ عن رجلٍ، وكفلَ كلٌّ به عن صاحبِهِ رَجَعَ عليه بنصف ما أدَّى وإن قلَّ)، على رجلٍ ألفٌ فكَفِلَ كلُّ واحدٍ من شخصينِ آخرين عن الأصيلِ بهذا الألف، ثم كَفِلَ كلُّ واحدٍ من الكفيلينِ عن صاحبِهِ بأمره بهذا الألف، فكلُّ ما أدَّاه أحدُهما وإن قلَّ رجعَ على الآخرِ بنصفِهِ بخلافِ الصَّورةِ الأُولَى، فإن الأصالةَ تُرَجَّح على الكفالة، أمَّا هاهنا فالكلُّ كفالةٌ فلا رُجْحانِ.

وقال في «الهداية» (١): الصَّحيحُ أنَّ صورةَ المسألةِ على هذا الوجه احترازٌ عمَّا إذا كفلا بألفٍ حتَّى كان الألفُ منقسماً عليهما نصفينِ، ثُمَّ كَفِلَ كُلُّ واحدٍ منهما عن صاحبِهِ بأمرِهِ، ففي هذه الصورةِ لا يرجعُ على شريكِهِ إلا بما زادَ على النَّصف.

أقولُ: في هذه الصَّورةِ كلُّ ما أدَّاه ينبغي أن يرجعَ بنصفِهِ على شريكِهِ؛ لأنَّهُ لمَّا لم يكنْ لإحدى الكفالتينِ رُجْحانٌ على الأخرى، فكلُّ ما أدَّاه يكونُ منهما، فيجبُ أن يرجعَ بنصفِ ما أدَّى، فلا فرقَ بينَ هذه الصُّورةِ والصُّورةِ التي خصَّها بالصِّحَّة (٢).

(وإن أبرأَ الطَّالبُ أحدَهما أخذَ الآخرَ بكلِّه)؛ لأنَّ وضعَ المسألةِ فيما إذا كَفِلَ كلٌّ منهما بالألفِ عن الأصيلِ، ثم كَفِلَ كُلٌّ منهما بالألفِ عن صاحبه، فإذا أبرأَ أحدَهما بقي كفالةُ الآخرِ بكلِّ الألفِ، وفي الصُّورةِ التي احترزَ بالصِّحَّةِ عنها إذا أبرأَ أحدَهما يبقى الكفالةُ للآخر بخمسمئةٍ.


(١) سيذكر الشارح - رضي الله عنه - ما فهمه من عبارة «الهداية» (٣: ٩٧) والتي نصُّها: ومعنى المسألة في الصحيح أن يكون الكفالةُ بالكلِّ عن الأصيل، وبالكلِّ عن الشريك، والمطالبةُ متعدِّدة، فيجتمعُ الكفالتان على ما مرَّ، وموجبها التزام المطالبة، فتصحُّ الكفالة عن الكفيل كما تصحُّ الكفالة عن الأصيل، وكما تصحُّ الحوالةُ عن المحتال عليه، وإذا عرف هذا فما أدَّاه أحدُهما وقع شائعاً عنهما إذ الكلُّ كفالةٌ فلا ترجيحَ للبعض على البعض بخلاف ما تقدَّم، فيرجعُ على شريكِه بنصفِه، وإلاَّ يؤدِّي إلى الدور؛ لأن قضيته الاستواء، وقد حصلَ برجوعِ أحدِهما بنصف ما أدَّى فلا ينقضُ برجوعِ الآخر عليه بخلاف ما تقدم. اهـ.
(٢) ما توصَّل إليه الشارح - رضي الله عنه - خلاف ما نصَّ عليه صاحب «الدرر» (٢: ٣٠٦)، و «الكفاية» (٦: ٣٣٨ - ٣٣٩)، و «التبيين» (٤: ١٦٨)، و «الايضاح» (ق ١٠٦/أ)، و «الرمز» (٢: ٧٨)، و «العناية» (٦: ٣٣٨)، إذ قالوا: أنها تكون كالمسألة الأولى، فلا يرجع على شريكه بما أدى ما لم يزد على النصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>