للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو شهدا بقتل زيدٍ يوم كذا بمكّة، وآخران بقتلِهِ فيه بكوفةَ ردَّتا، فإن قَضَى بأحدِهما، ثُمَّ قامت الأُخرى ردُّتْ هي، ولو شَهِدَا بسرقةِ بَقَرة، واختلفا في لونِها قُطِع، ولو اختلفا في الذُّكورة لا

على الذي يعلمُ قضاءَ البعضِ أن لا يشهدَ حتَّى يُقِرَّ المدَّعي عند النَّاس بما قبضَ؛ لئلا يتضرَّرَ المدَّعي عليه. وذَكَرَ الطَّحَاوِيّ (١) عن أصحابِنا - رضي الله عنه -: أن شهادتَهُ لا تُقْبَل، وهو قولُ زُفَرَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّ المدَّعي يكذِّبُ شاهدَ قضاءِ البعض. قلنا: الإكذاب في غيرِ المشهودِ به لا يمنعُ القبول (٢).

(ولو شهدا بقتل زيدٍ يوم كذا بمكّة، وآخران بقتلِهِ فيه بكوفةَ ردَّتا): أي شَهِدَ (٣) بقتلِ زيدٍ في ذلك اليومِ بكوفةَ ردِّتْ البيِّنات؛ لأنَّ أحدَهما كاذبةٌ بيقين، وليست إحداهما أولى من الأخرى، (فإن قَضَى بأحدِهما، ثُمَّ قامت الأُخرى ردُّتْ هي)؛ لأنَّ الأُولَى ترجَّحت باتصالِ القضاءِ بها، فلا ينتقضُ بالثَّانية.

(ولو شَهِدَا بسرقةِ بَقَرة، واختلفا في لونِها قُطِع، ولو اختلفا في الذُّكورة لا)، وعندهما: لا يقطعُ في الوجهينِ، وقيل: الاختلافُ في لونينِ متشابهين كالسَّوادِ، والحمرةِ لا في السَّوادِ والبياضِ. وقيل: في جميعِ الألوان (٤)، له: أن السَّرقةَ قد (٥) يقع في اللَّيالي، والرَّائي يراهُ من بعيد، فاللونان يتشابهان، والأظهرُ قولُهما (٦).


(١) قال الطحاوي في «مختصره» (ص ٣٤٣): روي عن أبي يوسف - رضي الله عنه - أنه قال: لا تقبل شهادة الشاهد الذي شهد على القضاء؛ لأنه شهد على أن لا شيء للمدّعي على المدّعى عليه مما يطالبه به، وبه نأخذ.
(٢) بيانه: إنَّ الشاهدين إذا شهدا لإنسانٍ بمال، ثم شهدا عليه بمالٍ لإنسانٍ آخر، فكذَّبهما المشهود عليه الذي هو مشهودٌ له، يقضى بما شهدا له، وإن كان يفسِّقهما فيما شهدا عليه؛ لأنَّ هذا تفسيقٌ عن اضطرار، والموجبُ للردِّ هو التفسيقُ عن اختيار، وكذلك لو شهدَ الشاهدان لرجلٍ على رجلٍ بألفِ درهمٍ ومئة دينار، فكذَّبهما المشهودُ له في المئة دنيار، تقبلُ شهادتهما، ثمَّ هاهنا كذَّبه فيما شهدا عليه وهو القضاء، فلا يقدح في شهادتِه له. ينظر: «الكفاية» (٦: ٥٠٦).
(٣) زيادة من أ.
(٤) الأصح أن الكل على الخلاف. ينظر: «التبيين» (٤: ٢٣٤)، و «الشرنبلالية» (٢: ٣٨٧).
(٥) زيادة من ب و ف و م.
(٦) نقل الحصكفي في «الدر المنتقى» (٢: ٢٠٨) و «الدر المختار» (٤: ٣٩٢) ترجيح الشارح - رضي الله عنه -، فقال: قال صدر الشريعة: والأظهر قولهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>