للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بكلِّ ما يعقدُهُ بنفسِه وبالخصمومةِ في كلِّ حقٍّ، ولا يلزمُ بلا رضا خصمِه، إلاَّ بموكِّلِ مريضٍ لا يُمْكِنُهُ حضورَ مجلسِ الحاكم، أو غائبٍ مسيرةَ سفر، أو مريدٍ للسَّفر، أو مخدرةٍ لا تعتادُ الخروجَ. وبإيفائِه، واستيفائِهِ إلاَّ في استيفاءِ حدٍّ وقَوَدٍ بغيبةِ مؤكِّلِه، وحقوقُ عقدٍ يضيفهُ الوكيلُ إلى نفسِه كبيع، وإجارة

(بكلِّ ما يعقدُهُ بنفسِه)، يتعلَّق بقولِهِ فصحَّ توكيلُ الحرِّ إلى آخره، (وبالخصمومةِ (١) في كلِّ حقٍّ، ولا يلزمُ بلا رضا خصمِه): قال بعضُ المشايخ - رضي الله عنهم -: التَّوكيلُ بالخصومةِ بلا رضا الخصمِ باطلٌ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، صحيحٌ عندهما، وقال البعضُ: الاختلافُ في اللزوم لا في الصِّحَّة، وفي «الهداية» (٢) اختار هذا، (إلاَّ بموكِّلِ مريضٍ لا يُمْكِنُهُ حضورَ مجلسِ الحاكم، أو غائبٍ مسيرةَ سفر، أو مريدٍ للسَّفر)، وهو أن يكونَ مشتغلاً بإعدادِ عُدَّةِ السَّفر (٣)، (أو مخدرةٍ (٤) لا تعتادُ الخروجَ.

وبإيفائِه، واستيفائِهِ إلاَّ في استيفاءِ حدٍّ وقَوَدٍ بغيبةِ مؤكِّلِه): أي صحَّ التَّوكيلُ بإعطاءِ كلِّ حقّ، وكذا بقبض كلِّ حقٍّ إلا أنَّه لا يصحُّ في استيفاءِ حدٍّ وَقَوَد بغيبة الموكِّلِ لشبهةِ العفو في القصاص، وشبهةِ أن يصدَّقَ القاذفُ في حدِّ القذف، وشبهةُ أن يدَّعي المالَ ولا يدَّعي السَّرقة.

(وحقوقُ (٥) عقدٍ يضيفهُ الوكيلُ إلى نفسِه): أي لا يحتاجُ فيه إلى ذِكْرِ الموكِّل، فإنَّ في البيعِ والشَّراءِ عن الموكِّلِ يكفي أن يقولَ الوكيلُ: بعت، أو اشتريت، (كبيع، وإجارة،


(١) الخصومة: الدَّعوى الصحيحة أو الجواب الصريح. ينظر: «الجوهرة» (١: ٢٩٨).
(٢) الهداية» (٣: ١٣٦).
(٣) إرادةُ السفرِ أمرٌ باطنيّ، فلا بُدَّ من دليلها، وهو إمّا تصديقُ الخصمِ بها أو القرينةُ الظاهرة، ولا يقبل قوله: إنّي أريدُ السفر، لكن ينظرُ القاضي في حالِهِ وفي عدّته، فإنّه لا يخفى عدَّة مَن يسافر. ينظر: «البحر» (٧: ١٤٥).
(٤) المخدّرة من الخَدر بفتح الخاء: إلزامُ البنتِ الخِدر بكسر الخاء، وهو ستر يمدُّ للجارية في ناحية البيت. ويطلقُ الخِدر على البيتِ إن كان فيه امرأةٌ، وإلاَّ لا. فالحاصلُ: إنَّ المخدَّرةَ هي التي لا تخرج عن بيتها إلى الأسواقِ غالباً، ولم تخالطْ مع الرجال، فإنَّ الخروجَ للحاجةِ لا يقدحُ في تخديرها ما لم يكثر، بأن تخرجَ لغيرِ حاجة، ولو حضرت مجلس القضاء لا يمكنها أن تنطقَ بحقّها لحيائها، فيلزمُ توكيلها، وهذا شيءٌ استحسنه المتأخّرون. وعليه الفتوى. ينظر: «الهداية» (٣: ١٣٧)، «الكفاية» (٦: ٥٦٢)، «الفتح» (٦: ٥٦١)، «حاشية الطحطاويّ» (٣: ٢٦٦)، «المصباح» (ص ١٦٥).
(٥) حقوق مبتدأ خبره قوله الآتي: يتعلق به. ينظر: «الدرر» (٢: ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>