وقال عز من قائل:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران: ١٩١] . وقال جل وعلا:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر: ٤٢] .
فمن قريب ما يجب أن يفكر فيه اللبيب ويتدبره أن يتذكر أحوال الأمم والقرون الماضية والملوك الأولين الذي كانوا من أشد خلق الله قوة وأكثر جمعًا وأبين آثارًا وأطول أعمارًا الذين بنوا المدائن وجمعوا الخزائن وحفروا الأنهار وعمروا الديار وشيدوا القصور.
ودبروا الأمور وجمعوا الجموع وقادوا الجيوش وساقوا الخيول ودوخوا البلاد وأذلوا العباد ومشوا في الأرض مرحًا واختالوا بما أوتوا فرحًا فأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
تخبرك آثارهم معاينة وتقرع سمعك أخبارهم مجاهرة فلم يصحبهم من الدنيا ما جمعوا ولم يدفع عنهم الردى ما كسبوا ولعلهم ندموا حيث لم تنفعهم الندامة وتلهفوا حيث لا يغني عنهم التلهف شيئًا.
وإن الباقي عما قليل كالفاني والغابر عما قليل كالماضي وما بينهما إلا أنفاس معلومة وأيام معدودة سريعة الانقضاء قريبة الانتهاء.
فليحذر المغتر بملكه والمتمتع بعزه هذه الصرعة وليستعد لهذه الوجبة