قال بعض العلماء على قوله تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
كشفت لنا هذه الآية الشريفة عن سُنةٍ من سُنن الله تعالى: وهي أن من غفل عن تذكر الله فنسيه وألهته دنياه عن العمل للدار الآخرة أنساه الله نفسه التي بين جنبيه فلا يسعى لما فيه نفعها ولا يأخذ في أسباب سعادتها وإصلاحها وما يكملها ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والدمار والهلاك وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ونسي مصالحها وداءها ودواءها وأسباب سعادتها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم.
ومن تأمل هذا الموضع تبين له أن أكثر هذا الخلق قد نسوا أنفسهم وضيعوها وأضاعوا حظها من الله وباعوها رخيصة بثمنٍ بخس بيع المغبون ويظهر ذلك عند الموت ويتجلى ذلك يوم التغابن يوم لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، إنها لحسرةٌ على كل ذي غفلة دونها كل حسرة هؤلاء هم الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مُهتدين.
وأما الرابحون فهم الذين أنار الله قلوبهم للحق فعرفوا الدنيا وقيمتها وقالوا ما مقدار هذه الدنيا من أولها إلى آخرها حتى نبيع حظنا من الله تعالى والدار الآخرة بها فكيف بما ينال العبد منها في هذا الزمن القصير الذي هو في الحقيقة كغفوةِ حلم لا نِسبة له إلى دار القرار ألبتة.