الحمد لله الذي خلق الخليقة وأعمالها، وردها بنور الهداية عن الغواية وأمالها، وأمدها بالعناية الربانية فقصر آمالها. أحمده حمد من احتسى من النعم زلالها، واكتسى سربالها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده شريك له، شهادة تثبت الأقدام إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان ما لها.
ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله والجاهلية تشرع ضلالها، فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يكثر جدالها ويضيق مجالها، ويعرف خيلها ورجالها، حتى عرفت حرامها وعافت الدنيا إذا عرفت زوالها. اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ما خالفت الجنوب في الهبوب شمالها.
أما بعد أيها الناس ما لأمواه العيون غائضة؟ وما لأفواه الذنوب فائضة؟ وما للهمم عن طلب النجاة رابضة، وما للنفوس في ميدان الشهوات راكضة؟ وما للأهواء في مجاري الزلات خائضة؟ وما للعزائم إلى مقابل التوبة ناهضة؟ أذهب الصواب عن السلاك، أم عظم المصاب ووقع الهلاك؟.
لقد أفصحت الرسل لولا صمم القلوب، ووضحت السبل لولا كدر الذنوب، ألا وإن الطريق سحيق فاشتملوا زادًا فاضلاً، وإن الحساب دقيق فاعملوا عملاً مناضلاً وإن العذاب حريق فأعدوا ولاء شاملاً، وإن السؤال حقيق فأسيلوا دمعًا سائلاً، واغتنموا نفائس أوقات تسير بكم سيرًا حثيثًا، وأيامًا وليالي طالما أرتكم عبرة وأسمعتكم مواعظها حديثًا، لقد أخبرتكم بما أخلت من الديار، وما أحلت بالقرون من قبلكم، وأعفت من الآثار. ألم