[(فصل في بيان الاستغناء بالوحي المنزل من السماء عن تقليد الرجال والآراء)]
يَا طَالبَ الحَقِّ المُبِيْنِ وَمُؤْثِرًا ... عِلْمَ اليَقِيْنِ وَصِحَّةَ الإِيْمَانِ
اسْمَعْ مَقَالَةَ نَاصِحٍ خَبْرَ الذي ... عِنْدَ الوَرَى مُذْ شَبَّ حَتَّى الآنِ
مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إِزَارَهُ ... قَدْ شَدَّ مِيْزَرَهُ إِلى الرَّحمنِ
وَتَخلُلُ الفَتَراتِ لِلْعَزمَاتِ ... أَمْر لازِم لِطَبِيْعَةِ الإِنْسَانِ
وَتَولُدُ النُّقْصَانِ مِن فَتَراتِهِ ... أَوْ لَيْسَ سَائِرُنَا بَنِي النُّقْصَانِ
طَافَ المذاهبَ يَبْتَغِي نُوْرًا ... لِيَهْدِيْهِ وَيُنْجِيْهِ مِن النِّيرَانِ
وَكَأنهُ قَدْ طَافَ يَبْغِي ظُلْمَةَ ... اللَّيْلِ البَهِيْمِ وَمَذْهَبَ الجيْرَانِ
وَاللَّيْلُ لا يَزْدَادُ إِلا قُوَّةً ... وَالصُّبْحُ مَقْهُورَ بِذِي السُّلْطانِ
حَتَّى بَدَتْ فِي سِيْرهِ نَارٌ عَلَى ... طُوْرِ المدِيْنَةِ مَطْلَعِ الإِيْمَانِ
فَأَتى لِيَقْبِسَهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ مَعْ ... تِلْكَ القُيُودِ مَنَالُهَا بِأَمَانِ
لَوْلا تَدَارَكَهُ الإِلَهُ بِلُطْفِهِ ... وَلَّى على العَقِبَيْنِ ذَا نُكْصَانِ
لكن تَوقفَ خَاضِعًا مُتَذِلِّلاً ... مُسْتَشْعِرَ الإِفْلاسِ مِن أَثْمَانِ
فَأَتاهُ جُنْدٌ حَلَّ عَنْهُ قُيُوْدُهُ ... فَامْتَدَّ حِيْنَئِذٍ لَهُ البَاعَانِ
وَاللهِ لَوْلا أَنْ تُحَلَّ قُيُودُهُ ... وَتَزُوْلَ عَنْهُ رِبْقَةُ الشَّيْطَانِ
كان الرُقيُّ إلى الثُريَا مُصْعِدًا ... من دُونِ تِلْكَ النَّارِ في الإِمْكَانِ
فَرَأَى بِتْلَكَ النَّارِ آطَامَ المَديْنَةِ ... كالخَيامِ تَشُوْفُهَا العَيْنَانِ
وَرَأَى عَلَى طُرُقَاتِهَا الأَعْلامَ قَدْ ... نُصِبَتْ لأَجْلِ السَّالِكِ الحَيْرَانِ