عباد الله إن الناس لم يقدروا الله حق قدره، ولم يعرفوه المعرفة التي تليق بجلاله وعظمته، ولو عرفوه هذه المعرفة وقدروه ما صدق العقل أن يكونوا بهذه الحال، إن العارف بالله تعالى يخشاه، فتعقله هذه الخشية عما لا ينبغي من الأفعال كيف لا وهذا القرآن يقول:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} العارف بالله تعالى لا يجرؤ أن يحرك لسانه بكلمة من المنكرات لأنه يؤمن أن الله تعالى يسمع السر والنجوى، ولا يجرؤ أن يستعمل عضوا من أعضائه في عمل ليس بحلال، لأنه يؤمن أن الله تعالى يراه مهما اختفى واجتهد في الاختفاء، وكذلك لا يقدم ويعزم على فعل شيء من المحرمات، لأنه يؤمن بوعيد الله على من اجترأ وانتهك المحظورات، العارف بالله حق المعرفة لا ينطوي على رذيلة كالكبر والعجب والحقد والنفاق وغير ذلك من الرذائل الممقوتات، لأنه يؤمن أن ما في قلبه لا يخفى على من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا يستريح حتى يكون باطنه كظاهره مطهرا من الفواحش، وكذلك لا يتعامل بالربا ويبتعد كل البعد عن الرياء ونحوهما من المحرمات، وكذلك لا تسمع من فمه عند نزول البلاء إلا الحسن الجميل، فلا يغضب لموت عزيز أو فقد مال، أو مرض شديد، لأنه يعلم أن غضبه يتوجه إلى الحكيم العليم اللطيف الخبير، ولا يصدر من العارف بالله حسد لخلق الله على ما أولاهم من نعمة، لأنه يؤمن أن الله قسم النعم بين عباده وليس لقسمته راد، وكذلك العارف لا ييأس من زوال شدة مهما تعقدت واستحكمت، ولا ييأس من حصول خير مهما سما وابتعد، لأنه يؤمن أن الأمور كلها بيد الله الذي إذا أراد شيئا قال له كن فكان، العارف