عباد الله: سنة الله في خلقه أن لا يؤاخذ مذنبًا بذنب اقترفه، أو جريمة اجترمها، أو جريرة ارتكبها إلا بعد أن يبين لهم ما ينبغي أن يتقوه من محارمه، ويجتنبوه من الموبقات، المؤدية بهم إلى هوة الهلاك والدمار، وقد أرسل الله جل وعلا إلى هذه الأمة الإسلامية محمدًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}[الأعراف: ١٥٧] . وأنزل عليه كتابه الكريم:{قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الزمر: ٢٨] ، {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: ١٦] . فيه هدى، وتبيانًا لكل شيء مما يحتاج إليه الناس في دنياهم وأخراهم، فاستمسك المسلمون مدة من الدهر بهديه، وتخلقوا بآدابه، فكانوا في ذلك الحين أهل الحول والطول والقوة والمنعة، تعنو لهم الوجوه، وتخضع لهم الرقاب فلم يقم لهم منازع إلا ابتزوا ملكه، واستباحوا مكان العزة منه، وأخذوا بطرفي الشرق والغرب، وكانوا خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، كانوا في تلك الأزمان يعملون بطاعة الله ويتقونه، ويحسنون في عبادته وإلى عباده، ويصبرون عن معاصيه، وعلى أقداره، فكان الله معهم بعونه وتوفيقه، ونصره وتأييده وتسديده، يا عباد الله كان كبراء الناس وسادتهم في الصدر الأول أشد الناس ظهورًا بالتمسك بالدين تقتدي بهم العامة في توحيدهم وعباداتهم ومعاملاتهم، فانعكست علينا الآن القضية، وصار العامة أشد تمسكًا بالدين، وأرسى عقيدة، من أولئك، وأصبح كثير من المتعلمين الذين يزعمون أنهم مثقفون،