عباد الله من كان الموت يطلبه كيف يقر له قرار ومن كان الدهر يجاريه فكيف يطيق الانتصار، ومن كان راحلاً عن الدنيا إلى الآخرة كيف يلذ له قرار، عجبًا لمن يملأ عينه بالنوم وهو لا يدري أيساق إلى الجنة أو إلى النار. ولقد أحسن من قال:
إن هي إلا غفلة وأمنية عاجلة وسجية عادلة جرى بها القلم ومضى عليها سالف الأمم، فيا فرائس الأحداث ويا عرائس الأجداث، لقد صعق الموت في دياركم فنعب، وصدقكم صرف الزمان وما كذب، فكأنه قد أعاد عليكم الكرة وسلب، ونغص عليكم المسرة، وانتهز فيكم الغرة، فما أقالكم عثرة.
عن كعب أو عن قتادة قال: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقومون مقدار ثلاثمائة عام قال: سمعت الحسن يقول: ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش واحترقت أجوافهم من الجوع انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين قد آن حرها واشتد نفحها.
فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلَّم بعضهم بعضًا في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم وموسى وعيسى كلهم يقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب مثله قبله ولا يغضب بعده مثله فكلهم يذكر شدة غضب الرب عز وجل وينادي بالشغل