الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، له ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الملك الحق المبين الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وقد وسع كل شيء رحمة وعلما، أحمده سبحانه وبحمده يلهج أولو الأحلام والنهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والنجوى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى، اللهم صلى على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، فقد طال إعراضكم عن النبأ العظيم تغافلا وجهلا، وكثر اشتغالكم بالعرض الخسيس الأدنى، وصار إقبالكم على ما يصد عن الصراط السوى والهدي.
أما أيقظكم ما رأيتموه من حوادث القدر والقضا، أما أنذركم ما سمعتموه من أخبار من كذب وعصى، ومن أعرض عما جاءت به الرسل وغلبه عليه الشقاء والهوى، كيف وجدوا عقوبات الذنوب، وكيف كان الحال بمن بغى وطغى، بلغتهم دعوة الرسل فلم يجيبوا، ورفعت إليهم المواعظ فلم يلتفتوا ولم ينيبوا. فجاءهم أمر الله بغتة وأصيبوا، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا، سل عنهم تلك القصور الدامرة، والقبور الداثرة والعظام الناخرة، وكيف كان السؤال والجواب، وهل وجدوا لهم من دون الله ملجأ وإزرا، فاتقوا الله عباد الله وأعملوا ليوم العرض والجزاء، ولا تكونوا ممن