ثم اعلم وفقنا الله وإياك للاستعداد لما أمامنا من الأهوال والشدائد والكروب والأمور المزعجات.
إنه جدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده أن لا يكون له فكر إلا في الموت، ولا ذكر إلا له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تأهب إلا له، ولاتعريج إلا عليه، ولا اهتمام إلا به، ولا انتظار ولاتربص إلا له.
وحقيق بالعاقل أن يعد نفسه من الموتى ويراها من أصحاب القبور، فإن كل ما هو آت قريب قال الله جل وعلا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} وقال تبارك وتعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} وقال - صلى الله عليه وسلم - "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" الحديث.
واعلم أنه لو لم يكن في الموت إلا الإعدام وانحلال الأجسام ونسيانك أخرى الليالي والأيام، لكان والله لأهل اللذات مكدرا، ولأصحاب النعيم منغصا ومغيرا، ولأرباب العقول الراجحة عن الرغبة في هذه الدار زاجرا ومنفرا، وللمنهمك في الدنيا وزخارفها منذرا ومزعجا ومحذرا.
قال مطرف بن الشخير: إن هذا الموت نغص على أهل النعيم نعيمهم، فأطلبوا نعيما لا موت فيه، فكيف ووراءه يوم يعد فيه الجواب وتدهش فيه الألباب، وتفنى في شرحه الأقلام والكتاب.