للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣١- (موعظة)]

عباد الله بما أن الله جل وعلَا منّ عليكم بالإسلام فيجب عليكم أن تحبوه، فإنه الذي بيده خير الدنيا والآخرة، وأن تحبوا رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لولا الله ثم لولاه لكنتم من حطب جهنم تلتهب بكم أبد الآبدين، وأن تحبوا أحباب الله، وأحبابه هم الذين لزموا طاعة مولاهم وتباعدوا عن معصيته كما يتباعد الإنسان عما يقتله من سم ونحوه بل السم أهون وأخف من كثير من المعاصي كيف لا والمعاصي لا تسلم فاعلها إلا إلى العذاب الأليم إن لم يتجاوز عنه مولاه، مضى في صدر هذه الأمة أناس قال الله فيهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] . وهم الذين كانوا بأرواحهم في سبيل الله يجودون، وكانوا يرون السعادة كل السعادة في ذلك الجود وإذا لم يستطيعوا كانوا لذلك يحزنون وكان هؤلاء الناس يحبون رسولهم فوق محبتهم لأموالهم وأنفسهم وكان حب أحدهم لأخيه أعظم من حبه لآثاثه وماله يحب له ما يحب لنفسه ولذلك كانوا في كل المنافع لا يعرفون إلا خلق الإيثار، كما حكى الله عنهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] . سل التاريخ عنهم يخبر عنهم أخبارًا ما سمعت قط بمثلها يخبرك أنهم كانوا سادة الدنيا يعترف بذلك العدو قبل الصديق اعتراف إقرار وإذعان يخبرك أنهم كانوا إذا اتجهوا لغزو جهة ينهزم أهلها وبينهم وبينهم مسافة عظيمة وكيف لا يعزهم ربهم وقلوبهم كانت وقفًا على حبه وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحب كل ما يرضيه من مبار، هؤلاء كانوا عبيد الله عبودية ما رأت الدنيا عبودية مثلها في سائر العبيد عدا الرسل الكرام لذلك كانوا يحنون لطاعته حنينًا لا ينقضي عجبه وهو مخلص وشديد كانوا لا يشبعون من العبادة بالنهار فيستقبلون الليل

<<  <  ج: ص:  >  >>