تركم كيف أوردت الأتراب مصارع المنايا، ألم توصل إليكم من الأخبار قوارع الرزايا؟ أما دهتكم في أنفسكم بكثير من الآلام؟ أما أذاقتكم في أنفسكم مرارة الأسقام؟ فلو فكرتم في الدنيا لعلمتم أنكم في إدبارٍ منها حثيث، وإقبال من الآخرة غير بطيء ولا مكيث. فكأن الليل والنهار وقد وقفا بكم على الآجال، وأزالا عنكم غرور الآمال، وكشفا عنكم أغطية الأبصار، ووصلا بكم إلى دار القرار، فيا حسرة منتقل إلى دار لم يتخذ بها منزلاً، ولم يقدم إليها من الصالح عملاً، فرحم الله امرءًا وسع من القبور مضيقًا، واتخذ من العمل الصالح صديقًا، وصدق ربه فبعثه صديقًا، فطيبوا نفسًا بمعاملة الله فإنكم تربحون، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون.
جعلني الله وإياكم من الفائزين الآمنين، وجنبني وإياكم موارد الظالمين. إن أحسن الكلام كلام الملك العلام والله يقول وقوله الحق المبين:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل: ٩٨] . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف: ٤٦] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم منه بالآيات والذكر الحكيم، وأجارني وإياكم من العذاب الأليم، وثبتني وإياكم على الصراط المستقيم،
أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم، فاستغفروه.