ضُحَاهَا} ، هؤلاء هم الكيسون الذين علموا حقيقة الدنيا كما علموا قلة لُبثهم فيها وأن لهم داراً غير هذه الدار دار الحيوان ودار البقاء اتجروا تجارة الأكياس، ولم يغتروا بتجارة السفهاء من الناس فظهر لهم يوم التغابن ربح تجارتهم ومقدار ما اشتروا قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنَفْسُكَمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
وفي هذا المعنى يقول عمر - رضي الله عنه -: إنما الدنيا أمل مُخترم أي مُنتقض وبلاغٌ إلى دار غيرها وسير إلى الموت ليس فيه تعريج فرحم الله امرءاً أفكَرَ في أمره ونصح لنفسه وراقب ربه واستقال ذنبه وتاب إلى ربه إلى أن قال إياكم والبطُنة فإنها مَكسلة عن الصلاة ومَفسدة للجسم ومؤدية للسقم وعليكم بالقصد في قوتكم فهو أبعد عن السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة إن العبد لن يَهلَك حتى يُؤثر شهوته على دينه.
ومن العجب العُجاب أن العبد يسعى بنفسه في هوان نفسه وهو يزعم أنه لها مُكرم ويجتهد في حرمانها من حظوظها وشرفها وهو يزعم أنه يسعى في حفظها ويبذل جهده في تحقيرها وتصغيرها وتدنيسها وهو يزعم أنه يسعى في صلاحها وكان بعض السلف يقول في خطبته ألا رُبَّ مُهين لنفسه وهو يزعم أنه مُكرِمٌ لها ومُذل لنفسه وهو يزعم أنه مُراعٍ لحقها وكفى بالمرء جهلاً أن يكون مع عدوه لنفسه يبلغ منها بفعله ما لا يبلغه منها عدوه.
مَا يَبْلُغُ الأَعْدَاءُ مِن جَاهِلٍ
مَا يَبْلُغُ الجَاهلُ مِن نَفْسِهِ
فالعاقل هو الذي يعمل مُجداً لآخرته ولا يُنسيه نصيبه من الدنيا حظه من