مِنَ المَنِيَّةِ يَوْمًا أَوْ يُمَسِّيْهَا
تِلْكَ المَنَازِلُ في الآفَاقِ خَاوِيَةٌ ... أَضْحَتْ خَرَابًا وَذَاقَ المَوْتَ بَانِيْهَا
كَمْ مِن عَزيزٍ سَيَلْقَى بَعد عزته ... ذُلاً وضَاحِكَةٍ يَوْمًا سَيُبْكِيْهَا
وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرضِعَةٍ ... وَلِلْحِسَاب بَرَى الأَرْواحَ بارِيْهَا
لا تَبْرَحَ النَّفْسُ تَنْعَى وهي سَالمةٌ ... حَتَّى يَقُومَ بِنَادِ القَومِ نَاعِيْهَا
وَلَنْ تَزَالَ طِوَالَ الدَّهْرِ ظَاعِنَةً ... حَتَّى تُقِيْمَ بِوَادٍ غَيْرِ وَادِيْهَا
أَيْنَ المُلوكُ الَّتِي عَنْ حَظِّهَا غَفَلَتْ ... حَتَّى سَقَاهَا بِكَأسِ المَوْتِ سَاقِيْهَا
أَفْنَى القُرونَ وَأَفْنَى كُلَّ ذِي عُمُرٍ ... كَذَلِكَ المَوتُ يُفْنِي كُلَّ مَا فِيْهَا
فَالمَوتُ أَحْدَقَ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ... وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَنْ كُلَّ مَا فِيْهَا
لَوْ أَنَّهَا عَقَلَتَ مَاذَا يُرَادُ بِهَا ... مَا طَابَ عَيْشٌ لَهَا يَوْمًا وَيُلْهِيْهَا
"تَجْني الثَمَارَ غَدًا في دَارِ مَكْرُمَةٍ ... لا مَنَّ فِيْهَا وَلا التَّكْدِيْرُ يَأْتِيْهَا"
"فِيْهَا نَعِيْمٌ مُقِيْمٌ دَائِمًا أَبَدًا ... بِلا انْقِطَاعٍ وَلا مَن يُدَانِيْهَا"
"الأُذْنُ وَالعَيْنُ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَرَهُ ... وَلَمْ يَدْر في قُلُوبِ الخَلْقِ مَا فِيْهَا"
"فَيَا لَهَا مِنْ كَرَامَاتٍ إِذَا حَصَلَتْ ... وَيَا لَهَا مِنْ نُفُوسِ سَوْفَ تَحْوِيْهَا"
"وَهَذِهِ الدَّارُ لا تَغْرُرْكَ زَهْرَتُهَا ... فَعَنْ قَرِيْبٍ تَرَى مُعْجِبكَ ذَاوِيْهَا"
"فَارْبَأ بنَفْسُكَ لا يَخْدَعكَ لامِعُهَا ... مِنَ الزَّخَارِفِ وَاحْذَرْ مِنْ دَوَاهِيْهَا"
"خَدَّاعَةٌ لَمْ تَدُمْ يَوْمًا عَلَى أَحَدٍ ... وَلا اسْتَقَرَّتْ عَلَى حَالٍ لَيَالِيْهَا"
"فَانْظُرْ وَفَكَّرْ فَكَمْ غَرَّتْ ذَوي طَيْشِ ... وَكَمْ أَصَابَتْ بِسَهْم المَوْتِ أَهْلِيْهَا"
اعْتَزَّ قَارُون في دُنْيَاهُ مِنْ سَفَهٍ ... وَكَانَ مِنْ خَمْرِهَا يَا قَوْمُ ذَاتِيْهَا
يَبِيْتُ لَيْلَتَهُ سَهْرَانَ مُنْشَغِلاً ... في أَمْرِ أَمْوَالِهِ في الهَمِّ يَفْدِيْهَا
وَفي النَّهَارِ لَقَدْ كَانَتْ مُصِيْبَتُهُ ...