للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تبين الفضل له وإما لعدم رغبته في الأفضل.

وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها إما أن يصدق أن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى وإما أن لا يصدق فإن لم يصدق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه.

وهذا تقسيم حاضر ضروري لا ينفك العبد من أحد القسمين منه فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الأيمان وإما من فساد في العقل وما أكثر ما يكون منهما ولهذا نبذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهره هو وأصحابه، وصرفوا عنها قلوبهم وأطرحوها ولم يألفوها وهجروها ولم يميلوا إليها وعدُّوها سجنًا لا جنة فزهدوا فيها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب ولوصلوا منها إلى كل مرغوب.

فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزها فردها وفاضت على أصحابه فأثروا بها ولم يبيعوا بها حظهم من الآخرة بها وعلموا أنها معبر وممر لا دار مقام ومستقر وأنها دار عبور لا دار سرور وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب مال في ظل شجرة ثم راح وتركها» وقال: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم ترجع» .

وقال خالقها سبحانه: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>