الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فصل)
وعن أنس بن مالك أن معاذ بن جبل رضي الله عنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كيف أصبحت، يا معاذ قال أصبحت مؤمنا بالله حقًا – قال:«إن لكل قول مصداقا ولكل حق حقيقة فما مصداق ما تقول؟» .
قال: يا نبي الله ما أصبحت صباحًا قط إلا ظننت أني لا أصبح، ولا خطوة خطوة إلا ظننت إني لا أتبعها أخرى وكأني أنظر إلى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة، قال عليه الصلاة والسلام "عرفت فألزم".
وبلغ زين العابدين من الدنيا أفضل ما تسعى إليه همةُ رجل، فرفضها ونبذها قائلاً «هذا سرور لولا أنه غرور، ونعيم لولا أنه عن قريب عديم، وملك لولا أنه هلك، وغنى لولا أنه فنى، وأمر جسيم لولا أنه ذميم، وارتفاع لولا أنه اتضاع وحسب امرئ من الدنيا لقيمات يقيم بها صلبه، وثوب يستر به عورته، وصحة يستقوي بها على طاعة الله» .
واعلم يا أخي أن الأجل قريب وهو مستور عنك وهو في يد غيرك، يسوقه حثيث الليل والنهار، وإذا انتهت المدة حيل بينك وبين العدة، فاحتل قبل المنتهى وأكرم أجلك بحسن صحبة الصادقين، وإذا آنستك السلامة فاستوحش بالعطب، فإنه الغاية وإذا فرحت بالعافية فاحسب حسابًا للبلاء، وإذا بسطك الأمل فاقبض نفسك عنه بذكر الأجل، فهو الموعد وإليه المورد.