وذات العبد مستلزمة للجهل والظلم وما فيه من العلم والعدل فإنما حصل له بفضل الله عليه وهو أمر خارج عن نفسه.
فمن أراد الله به خيرًا أعطاه هذا الفضل فصدر منه الإحسان والبر والطاعة.
ومن أراد به شرًا أمسكه عنه وخلاه، ودواعي نفسه وطبعه وموجبها فصدر منه موجب الجهل والظلم من كل شر وقبيح.
وليس منعه لذلك ظلمًا منه سبحانه فإنه فضله وليس من منع فضله ظالمًا لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه ولا يليق به.
وأيضًا فإن هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه ولا يخلي بينه وبين نفسه وهذا محض فعله وفضله.
وهو سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لهذا الفضل ويليق به ويثمر به ويزكو. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ اهؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}[الأنعام: ٥٣] .
فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها فإن أصل الشكر هو الاعتراف بانعام المنعم على وجه الخضوع والذل والمحبة. فمن لم يعرف النعمة. بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.
ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضًا ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها.
ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضى به وعنه لم يشكرها أيضًا.
ومن عرفها وعرف المنعم بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه