فليس من الحكمة أن يبذر البذر في الصخور والرمال والسباخ وفاعل ذلك غير حكيم فما الظن ببذر الإيمان والقرآن والحكمة ونور المعرفة والبصيرة في المحال التي هي أخبث المحال فالله أعلم حيث يجعل رسالته أصلاً وميراثًا.
فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه. ومن لا يصلح لذلك.
وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم.
فالرب سبحانه إذا علم من محل أهلية لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبب إليه ذلك ووضعه فيه وكتبه في قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسر له طرقه وأغلق دونه الأبواب التي تحول بينه وبين ذلك.
ثم تولاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أحسن من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده الذي هو أحب شيء إليه.
فلا يزال يعامله بلطفه ويختصه بفضله ويؤثره برحمته ويمده بمعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع إحسانه إليه وبره به فيزداد العبد به معرفة وله محبة وإليه إنابة وعليه توكلاً. ولا يتولى معه غيره ولا يعبد معه سواه.
وهذا هو الذي عرف قدر النعمة وعرف المنعم وأقر بنعمته وصرفها في مرضاته.
واقتضت حكمة الرب وجوده وكرمه وإحسانه أن بذر في هذا القلب نور الإيمان والمعرفة وسقاه بالعلم النافع والعمل الصالح وأطلع عليه من نوره