قلبه ولادة حقيقية كما ولد جسمه حقيقة وكما أن بطن أمه حجابًا لجسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة.
فخروج قلبه عن نفسه بارزًا إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أمه بارزًا إلى هذه الدار وهذا معنى ما يذكر عن المسيح أنه قال يا بني إسرائيل إنكم لن تلجوا ملكوت السماء حتى تولدوا مرتين.
ولما كان أكثر الناس لم يولدوا هذه الولادة الثانية ولا تصوروها فضلاً عن أن يصدقوا بها فيقول القائل كيف يولد الرجل الكبير أو كيف يولد القلب لم يكن لهم إليها همة ولا عزيمة إذ كيف يعزم على الشيء من لا يعرفه ولا يصدقه ولكن إذا كشف حجاب الغفلة عن القلب صدق بذلك وعلم أنه لم يولد قلبه بعد.
والمقصود أن صدق التأهب للقاء الله هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية ومقامات السالكين إلى الله ومنازل السائرين إليه من اليقظة والتوبة والإنابة والمحبة والرجاء والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح.
فمفتاح ذلك كله صدق التأهب والاستعداد للقاء الله والمفتاح بيد الفتاح العليم لا إله غيره ولا رب سواه.
وقال رحمه الله طوبى لمن أنصف فأقر له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتفريط في حقه، والظلم في معاملته.
فإن أخذه بذنوبه رأي عدله، وإن لم يؤخذه رأى فضله.
وإن عمل حسنة رآها من منته عليه، فإن قبلها فمنة وصدقة ثانية، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به.
وإن عمل سيئة رآها من تخليه عنه، وخذلانه له، وإمساك عصمته،