للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن الناس من يوفقه الله فيسلكها مستقيمًا لا يلوي على شيء إلا على زاد الآخرة، وأمل يهدف إليه، في تلك الدار الباقية، ذلك الهدف هو رضى رب العزة والجلال، الذي فيه كل نعيم، الذي فيه الهدوء والاطمئنان، والذي فيه الفوز والنجاة من كل مكروه، تلك حال من اتعظ واعتبر فنفعته العبرة، ولمس الموعظة من دروس الحياة وأحداثها فاهتدى، وزاده الله هدى، تلك حال من اعتبروا، فنفعتهم العبرة، وجعلوا التقوى إلى الله أمامهم لا يحيدون عنها، يخافون ربهم ويخشون سوء الحساب. {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: ٥٢] .

أيها المسلم لقد خرجت من ظلمات، وستنتهي إلى ظلمات خرجت من ظلمات الأرحام، وتنتظرك ظلمات القبور، خرجت من أحشاء أمك، واستقبلتك أحشاء أخرى، أقوى وأعظم، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] . دفعك جوف يحن عليك، إلى جوف الأرض، وبين الجوفين أمور وأمور، ففي الدنيا السراء والضراء والسعادة والشقاء إنك تخرج من شدة إلى رخاء، ومن رخاء إلى بلاء، وتصادفك عقبات في طريقك، بعد عقبات، وتتغير أحوالك من حالات إلى حالات، فمن ذل إلى عز، ومن عز إلى ذل، ومن غنى إلى فقر ومن فقر إلى يسر، ومن صحة إلى مرض، ومن مرض إلى عافية، ومن راحة إلى تعب، هذه هي الدنيا وهذه أحوالها، عزها لا يدوم، ورخاؤها لا يبقى، قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٦] . فحاسب نفسك أيها المسلم، قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>