للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بينما الإنسان في قيام وقعود، ونزول وصعود، وخذ هذا واترك هذا واشتر هذا وبع هذا، وابن هذا واهدم هذا، وقد كان وما كان، وتقدم هذا وتأخر هذا، وعين فلان وفصل فلان، وربح فلان وخسر فلان.

إذ فاجأه الأمر الإلهي والحادث السماوي والحكم الرباني فسكنت حركته وطفئت شعلته، وذهبت نظرته وصار كالخشبة المنبوذة والحجر المرمي.

إن نودي لم يسمع وإن دعي لم يجب وإن قطع أو سحب أو حرق لم يمانع ولم يتكلم، عبرة لمن اعتبر وذكرى لمن كان له قلب ولكن حب الدنيا وزينتها وشهواتها وحجاب الهوى غطى القلوب وأعمى البصائر بمنع التفكر في الجنائز والاعتبار بها.

فصارت لا تزيد رؤيتها عند كثير من الناس إلا غفلة ولا مشاهدتها إلا قسوة حتى كأن الميت نائم يستيقظ بعد ساعة أو كأن الذي يرى الجنازة لا يكون مثلها وكأن الميت نزل به الموت وحده وقصده خاصة.

ولذلك تجد كثيرًا من المشيعين يبحث في مخلفاته نعم يعلم كل إنسان أنه سيموت لقول الله جل جلاله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: ٣٥] .

وقد تخالف الناس إلا في الموت فهم متفقون، ولكن لا يظنون ذلك من قريب قد فسحوا لأنفسهم في المدة ومدوا لها في المهلة بدليل. ما ينشئونه من الأعمال والقصور والشركات ونحو ذلك.

وإن دار على لسانه ذكر الموت عن قريب فهو قول ضعيف بدليل عدم تحركه من قبل الآخرة وحالته قبل رؤية الجنائز كحالته بعد تشييعها أكبر برهان على ذلك وربما تحدثوا بحديث الدنيا وضحكوا والميت يدفن.

<<  <  ج: ص:  >  >>