يحاول استبقاءها بأداء حق الله فيها بل يعرض عن الله وينأى بجانبه ولا يذكر هذه النعمة من نعم الله على عظمها إلا حين يعدو عليها المرض فيذبل نضرة العافية ويخطو بقوة الشباب على غير موعد إلى ضعف الشيخوخة.
أما حين ينعم الإنسان بسلامة أعضائه وقوة بنيته وحين يحس الحيوية تسري في عروقه فهو ينطلق في شهواته خاضعًا لها، وهو يظن نفسه الآمر الناهي، وخاسرًا بها وهو يحسب نفسه قد ربح كل شيء.
وتمضي به أيامه ولياليه وهو يرتع كالحيوان في ملذاته من مأكولات ومشروبات دون تفرقة بين حلال وحرام ومن غير تمييز بين طيب وخبيث فيسيء إلى نفسه ويبخسها حقها إذ يضيع طاقتها على العمل النافع وعلى الطاعة الواجبة في اللهو واللعب.
وبلا شك أن الصحة عرض لا يدوم بل يمر مر السحاب وأن المرض يفقد الإنسان معظم طاقته على العمل بل ربما فقدها كلها وعجز، فمن السفه والحمق إذاً أن لا يغتنم الإنسان فرصة الصحة والفراغ من الشواغل للطاعة والعبادة.
وكل إنسان يعلم أن كل يوم يتقدم به الزمن يقصر عمره ومقدرته على العمل تضعف كلما خطا به الزمن ومحصوله من الأعمال الصالحة يقل كلما أقعده المرض أو أثقلته السنون فالعاقل اليقظ يحافظ على وقته أكثر من محافظته على ماله ولا يضيع منه شيئًا بل يستعمله فيما يقربه إلى الله والدار الآخرة أو ما هو سبب إلى ذلك فإن فاته شيء أو نسى شيئًا من أعماله بالليل قضاه بالنهار وبالعكس.