أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه في السر والعلن ولا تعصوه، واعلموا أن الذنوب والمعاصي تضر في الحال والمآل، وأن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها، وما في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه وبدل بالقرب بعدًا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحًا وبالجنة نارًا تلظى؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم، حتى علا الماء فوق رءوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعًا وأرسل عليهم حجارة من سجيل؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صارت فوق رءوسهم أمطرت عليهم نارًا تلظى؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال واحرقوا الديار ونهبوا الأموال، ثم بعث عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا؟ وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب أقوام كثيرة جاءت أخبار هلاكهم في القرآن الكريم بسبب كفرهم وعصيانهم وعنادهم وتكبرهم عن طاعة الله تعالى وطاعة رسله