أما بعد فيا أيها الناس إن ما توعدون من الآخرة لآت، وإنكم في دار هي محل العبر والآفات، وأنتم على سفر، والطريق كثيرة المخافات. فتزودوا من دنياكم قبل الممات، وتداركوا هفواتكم قبل الفوات، وحاسبوا أنفسكم وراقبوا الله في الخلوات. وتفكروا فيما أراكم من الآيات، وبادروا بالأعمال الصالحات، واستكثروا في أعماركم القصيرة من الحسنات قبل أن ينادي منادي الشتات، قبل أن يفجأكم هاذم اللذات، قبل أن يتصاعد منكم الأنين والزفرات، قبل أن تتقطع قلوبكم عند فراق الدنيا حسرات، قبل أن يغشاكم من غم الموت الغمرات، قبل أن تزعجوا من القصور إلى بطون الفلوات، قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون من هذه الحياة، قبل أن تتمنوا رجوعكم إلى الدنيا لتعملوا وهيهات.
فاتقوا الله حق تقاته، فإن فيها النجاة قبل الممات، وتعرضوا لنفحات ربكم، فإن له تعالى في أيام دهركم نفحات، وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات. فرحم الله أقوامًا بادروا الأوقات، وتداركوا الهفوات، عيونهم مشغولة بالدمع، وألسنتهم مسجونة بالصمت عن فضول الكلمات، وأكفهم مكفوفة بالخوف عن تناول الشهوات، وأقدامهم مقيدة بقيود المحاسبات، فتيقظوا رحمكم الله للحاقهم من سنة الغفلات، واعملوا مثل أعمالهم تناولوا الدرجات.
فيا من لم يتصف بهذه الصفات، كيف ترجوا لحاقهم وأنت كثير المخالفات؟ أما قرع سمعك قول الله في محكم الآيات {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[الجاثية: ٢١] . جعلني الله وإياكم ممن بادر الأوقات، وسارع إلى الخيرات، إن أكمل