الغيب، وبرأه من كل دنس وعيب، اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأزكاها، وأنزلهم من منازل الكرامة أعلاها.
(أما بعد) فيا أيها الناس إنه ليس أحد أكرم على الله من نبيه، ولا أشرف عنده من محمد نجيه وحبيبه وصفيه، ولن يؤخر عند انقضاء مدته، ولن يعمر عند حضور منيته، ولقد أتاه في مثل شهركم هذا من رسل ربه الكرام، الموكلين بقبض نفوس الأنام، فجذبوا روحه الزكية لينقلوها، وعاجلوها ليرحلوها إلى رحمة ورضوان، وروح وريحان، وروضات الجنان، وخيرات حسان، فاشتد لذلك كربه وأنينه، وترادف قلقه وحنينه، واختلف بالانقباض والانبساط شماله ويمينه، وعرق لهول مصرعه جبينه، فبكى لمنظره من حضره، وانتحب لمصرعه من أبصره، فلم يدفع الجزع عنه مقدورًا، ولا راقب الملك فيه أهلاً ولا عشيرًا، بل امتثل ما كان به مأمورًا، واتبع ما وجد في اللوح مسطورًا. هذا وهو أول من تنشق عنه الأرض، وصاحب الشفاعة يوم العرض، وأكرم أهل السماء وأهل الأرض، وعلى يقين من السلامة في المعاد، وثقة بالكرامة يوم الأشهاد. فكيف من لا يعلم متى الرحيل؟ ولا يتحقق أين المقبل؟ ولا يدري على ما يقدمن ولا بما عليه في القيام يحكم.
فيا خلف من قد دبر، ويا بقية من قد غبر، ويا جدد الآجال، وعبيد الآمال. أما تتعظون بمصرع سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحبيب رب العالمين. أتظنون أنكم في الدنيا مخلدون؟ أم تحسبون أنكم من الموت محصنون؟ ساء ما تتوهمون، هيهات هيهات إنكم إذا لمغرورون وجدوا لله والرحيل، فاحتقبوا زادًا كافيًا، ووجب السؤال فأعدوا جوابًا شافيًا، فكأن قد نعق بكم